أربع رائدات عربيات
هدى شعراوى
تعتبر عائلة هدى شعراوى من أعيان الصعيد (المنيا) حيث كان والدها محمد باشا شعراوى حاكم الصعيد العام الذى مات وعمر ابنته خمس سنوات ، أحسنت والدتها تربيتها فعلمتها الموسيقى والعلوم والرسم واللغتين الفرنسية والتركية ، وهذه التربية كانت نقطة انطلاق هدى شعراوى نحو فكر جديد يسعى الى وضع أفضل للمرأة ، وذلك من خلال المشاركة فى قضايا الوطن فى المقام الأول جنبا الى جنب مع الرجل ، فهى التى خرجت على رأس مظاهرة نسائية من 300 سيدة مصرية فى 16 مارس 1919 للمناداة بالافراج عن سعد زغلول الزعيم المصرى الوطنى وزعيم حزب الوفد ورفاقه وطلب خروج الاحتلال الانجليزى من مصر ، وأيضا كانت تطالب بإعلاء شان المرأة المصرية ودورها على ضوء ما نادى به المفكر قاسم أمين فى كتابه المهم " تحرير المرأة " كما ان آرائها كانت تعدّ ثورة فكرية حقيقية على الجمود والتخلف الذى كان يعامل به المجتمع المرأة وهو ما اعتبره البعض علامة من علامات نهضة المجتمع .
كما أصدرت هدى شعراوى أول جريدة بالفرنسية أسمتها " الاجبسيان " أو " المصرية " وكانت تنادى من خلالها بأفكارها من أجل النهوض بالمرأة . وكان من اهم المواقف التى تؤيد دورها فى المجتمع من تحديث وتنوير ما قامت به عام 1930 فى مساعدة طلعت حرب على جمع رأس مال بنك مصر بفضل جهودها بوساطة الأصدقاء والمعارف من الطبقات الراقية آنذاك الى جانب تبرعها بمبلغ كبير من رأس المال المطلوب لإنشاء هذا البنك ، كما يرجع لهدى شعراوى الفضل فى إنشاء أول مدرسة ثانوية للبنات فى مصر بعد مدرسة السنية التى كانت مقصورة على تخريج المعلمات ، وكانت مدرسة هذى شعرواى الثانوية ولم يتجاوز عدد الطالبات بها فى ذلك الوقت 30 طالبة ، التحقت 4 منهن بالجامعة هن سهير القلماوى ونعيمة الأيوبى وكوكب حفنى وفاطمة مهنى ، أنشأت هدى شعراوى 15 جمعية وشاركت فى 24 مؤتمرا دوليا وعربيا ، كما كرمتها الدولة واهدتها أربعة اوسمة ونياشين.
فى خريف 1938 دعت هدى شعراوى بصفتها مثلة المرأة المصرية الى عقد مؤتمر لنساء الشرق فى القاهرة من أجل دراسة القضية الفلسطينية ونصرة شعب فلسطين ، ويعد هذا المؤتمر هو أول مؤتمر نسائى يجمع شمل المرأة العربية فى ملتقى واحد لدراسة القضية الفلسطينية فى وقت كانت الثورة مشتعلة فى فلسطين ، وقد أعقب هذا المؤتمر مؤتمر ثان عقد فى ديسمبر 1944 بالقاهرة ، وانتهى الى تأسيس الاتحاد النسائى العربى بحضور ممثلات ست دول عربية (مصر - العراق - سوريا - لبنان - فلسطين - شرق الأردن) .
رحلت هدى شعراوى عن العالم فى ديسمبر 1947 .
سيزا نبراوى
هى نموذج للمرأة المصرية التى اشهرت رأيها كالسلاح " حرية المرأة فى وطن حر وعالم حر " اشتركت فى تنظيم وقيادة أول مظاهرة نسائية عام 1919 ضد الاحتلال الانجليزى وهتفت لثورة 1919 وحلفت بحياة سعد زغلول . سيزا نبراوى – وهو اسم الشهرة الذى عرفت به – لكن اسمها الحقيقى هو زينب محمد مراد ، ولدت بمحافظة الغربية فى قرية القرشية ونشأتها فى بيت جدها هى التى أتاحت لها فرصة الاتصال بالرائدة هدى شعراوى ، وتعد هذه الفترة هى نقلة حقيقية فى حياتها ، حيث فتحت معرفتها بهدى شعراوى أمامها أبواب الثقافة الأوروبية وحولتها من مجرد فتاة ريفية تقليدية مثقفة إلى إنسانة صاحبة رسالة ودور فى وطنها فى فترة اتسمت بالغليان هى فترة الأربعينيات من هذا القرن ، كما بدأت بدعوة مبكرة إلى كل المحيطين بها لنبذ البضائع الأجنبية ، واختلطت بالقاعدة العريضة من الشعب ، وكانت تقف هى وزميلاتها أمام المحال التجارية يدعين الناس لعدم الشراء منها ، وكانت النتيجة السريعة لحملتها الساخنة هذه أن أغلقت الحوانيت الأجنبية أو التى تتعامل مع البضائع الأجنبية أبوابها ، وبالحماس نفسه خطت خطوة أخرى لمساندة إنشاء بنك مصر وهو أول بنك مصرى وقتها فى مواجهة البنوك الأجنبية . وفى عام 1923 اشتركت مع هدى شعراوى فى تأسيس الاتحاد النسائى وكانت وراء صدور قانون تحديد سن زواج الفتيات بـ 16 سنة ، عندما كانت الفتاة تتزوج فى عمر صغير جريا وراء تقاليد أسرية متخلفة ، وفى عام 1925 رأست تحرير مجلة المصرية باللغة الفرنسية ثم أصدرتها باللغة العربية ، كما أسهمت سيزا فى تأسيس " الاتحاد النسائى العربى " فى عام 1944 وأصبحت لها سمعة تشرف المرأة المصرية على المستوى العالمى ، فشاركت فى الكثير من المؤتمرات النسائية واختيرت نائبة لرئيسة الاتحاد النسائى العالمى ، أما أكثر خطواتها جرأة ، فقد كانت رئاستها لجنة المقاومة الشعبية عام 1951 لتعكس الدور الواضح للمرأة المصرية منذ سنوات بعيدة . كما طالبت بحق المرأة فى التعليم فاستجابت الحكومة الى طلبها وأنشأت مدرسة الأميرة فوزية الثانوية. حصلت على الكثير من الأوسمة والجوائز منها وسام لينين من الاتحدا السوفيتى عام 1970 ووسام الكمال من جمعية هجى شعراوى عام 1971 ، وأصدرت هيئة الاستعلامات كتابا عنها بوصفها واحدةً من رائدات الحركة النسائية فى مصر .
نبوية موسى
بداية فى عام 1886 ولدت ثلاثة من رائدات الفكر النسوى فى المشرق العربى ، هن ملك حفنى ناصف (فبراير) – مى زيادة (ديسمبر) – نبوية موسى (ديسمبر أيضا) . وكانت الأخيرة من المجاهدات اللائى شققن طريقهن عنوة لأجل تحقيق رسالة مُعيّنة لخدمة المرأة.
ولدت نبوية موسى محمد بدوية فى 17 ديسمبر 1886 بكفر الحكما بندر الزقازيق ، كان والدها ضابط فى الجيش المصرى برتبة يوزباشى وكان له فى بلدته بمديرية القليوبية منزل ريفى كبير وبضعة فدادين يؤجرها حين يعود الى مقر عمله ، وقد سافر والدها الى السودان قبل ميلاد ابنته نبوية بشهرين ولم يعد من هناك ، فنشأت نبوية يتيمة الأب ولم تراه ، كما تقول إلا فى المنام . عاشت هى ووالدتها وشقيقها محمد موسى فى القاهرة نظرا لوجود أخيها بالمدرسة وقد اعتمدت الأسرة على معاش الأب وعائد الأرض.
نشأت نبوية موسى فى بيئة مصرية محافظة ، والتحقت بالمدرسة السنية وحصلت على دبلومها عام 1906 ثم على شهادة الدراسة الثانوية (البكالوريا) عام 1907 . وهى أول امرأة تعمل معلمة للغة العربية واول ناظرة مصرية ولعلها أول امرأة مصرية تتخذ من تعليم الفتيات قضية وطنية ، ويجب الاشارة الى كفاح نبوية موسى فى سبيل تعليم نفسها ووعيها بمدى مقاومة المجتمع لتعليم نفسها ووعيها بمدى مقاومة المجتمع لتعليم الفتيات مع إيمانها الشديد بالعلم كقيمة تنهض بالمجتمع ككل ، وكان إيمانها بالعلم يماثل إيمانها الكامل بحقّها فى العمل ، فنجدها فى عام 1912 تلتحق بمدرسة الحقوق لتنال درجة علمية . وقد قامت بإنشاء مدرسة " ترقية الفتاة " فى الإسكندرية وهى مدرسة اهلية تابعة لجمعية ترقية الفتاة التى سعت الى تأسيسها بعيدا عن سيطرة الحكومة على المدارس الأميرية كانت نبوية موسى ترى أن معاداة وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليا) لها ترجع الى اعتراض الانجليز على وجود ناظرة مصرية تنافس مدرستها ، مدارس الناظرات البريطانيات ، بل وتفوقها نظاما وشهرة بين الناس .
وكانت ترى أن التعليم عمل وطنى بمثابة السلاح الذى سيمكن المصريين والمصريات من مواجهة الاستعمار بمجرد تحررهم من قيود الجهل ، وقد كان لها أيضا دور فعّال ضمن الحركة النسائية فى مصر الحديثة ، فقد شاركت ضمن وفد الاتحاد النسائى المصرى الذى ضم هدى شعراوى وسيزا نبراوى ورجينا خياط ومدام ويصا المشاركات فى المؤتمر الدولى للمرأة فى روما فى عام 1923 ، كما استعانت بالصحافة لنشر أفكارها وإيضاح مواقفها ، فنشرت مقالاتها فى الأهرام والجريدة والبلاغ الاسبوعى ، وهى فتاة قضت عمرها كله فى جهاد مستمر من أجل قضية تعليم المرأة ومساواتها بالرجل . صدر ديوان نبوية موسى فى مايو من عام 1938 و كُتبت قصائده حسب تواريخها بين اعوام 1904 - عندما كانت الشاعرة فى مدرسة السنية - و 1925 وكانت أكثر القصائد فى عام 1919 ولهذا مبرره حيث كان المجتمع المصرى يمر بعنفوان ثورة 1919 .
ملك حفنى ناصف
هى ملك هانم كريمة اللغوى المحقق حفنى بك ناصف الذى شغل المناصب العالية فى وزارة المعارف والقضاء . ولدت سنة 1886 وتلقت مبادء العلوم فى مدارس أولية ثم دخلت المدرسة السنية فى أكتوبر سنة 1893 وحصلت منها على الشهادة الابتدائية سنة 1900 وهى أول سنة تقدمت فيها الفتيات المصريات لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة .وكان عمرها 13 عاما فكتبت الى جريدة (المؤيد) قصيدة من نظمها تفتخر لمصر بأن فتياتها مساويات للرجال فى التعليم ، وكانت هذه بداية اهتمامها بالمسائل العامة ، وقد عملت فى التدريس وهى فى السادسة عشرة من عمره ، ثم انتقلت الى القسم العالى فى المدرسة المذكورة وحصلت على الشهادة العالية (دبلوم) سنة 1903 واشتغلت بعد ذلك بالتعليم فى مدارس البنات الأميرية وفى 28 مارس سنة اقترن بها صاحب السعادة عبد الستار بك الباسل وجيه قبيلة الرماح بالفيوم . وكانت وقتذاك بادية صحراوية لذلك سميت هى باحثة البادية . لقد دافعت ملك عن المرأة المصرية فى مقالاتها وجاء دفعها مبنيا على معرفتها بتفاصيل الحياة اليومية التى أحاطت المرأة بكم هائل من الخرافات وقلة الإدراك الذى كان يرجع الى أفعال وتصرفات تنم عن التخلف .
ولكن بمقارنة المراة الغربية بالمصرية نجدها توجه انتقادا لاذعا لها ، ولكن فى نفس الوقت لا تمجد المراة الغربية ، بل تحاول تحطيم اسطورة المرأة الغربية الباهرة التى أسر خيال كثير من رواد الفكر المصريين ، ولكن دون أن تستخدم الذم الرخيص لها وإنما بلفت النظر لبعض مساؤها التى كثيرا ما يتناساها المتحمسون فى غمرة حماسهم وحماس (ملك) لانصاف المرأة المصرية أمام الغربية لا يأتى من فراغ ، وغنما هو نتيجة تراكم الهجمات الحادة على المرأة المصرية فى خطاب النهضة ، ولا نكتفى بالاستماتة وإنصاف المرأة وننجح فى الوصول الى لب المشكلة فى خطاب النهضة الرجولى ، وهو ازدواج المعايير عند الرجل المصرى فى تقويمه المرأة الغربية والمصرية .
وقد تميزت كتابات ملك - أيضا - بأنها أدركت منذ الوهلة الأولى أهمية التعبير عن وجهة نظر المرأة فى شتى أمور الدنيا ، وهى وجهة نظر تستند الى الواقع الذى تعيشه وتشعر به ، هذا الواقع الذى قد يصعب على الرجل تلمسه أو معرفة خباياه . كما ركزت ملك على أهمية إتاحة الفرصة للمرأة لتقرير مصيرها والبت فى شؤونها وكان السبيل الأوحد لذلك هو التركيز على التعليم ، فبدون تعليم لا تتحرر المرأة ولا تخرج من شرنقتها ، ولقد لفتت كتاباتها الانظار متجهة لاعمال عقلها والتعبير عن وجهة نظرها دون التقيد بالمسلمات ، فلقد وثقت من قدرتها على التفكير ، فلم تقبل مقولات تحد من دور المراة وتحط من شانها بالمقارنة بالرجل ، ولقد أدى بها هذا الاسلوب فى مناقشة الأفكار والنظريات الى التحرر من سطوة النظريات التى تبدو وكانها حقائق أبدية وهى فى واقع الأمر آراء إنسانية ، وتناقش فكرة تقسيم الأدوار لتؤكد أنها ظاهرة تاريخية وليست ظاهرة طبيعية ويكتشف القارئ مدى وعى (ملك) بالبعد التاريخى فى حكمها وتقويمها لأنماط السلوك والاشكال الاجتماعية كافة ، وبسبب هذا الوعى تتحرر من سطوة النمط السائد على تفكيره ولا تصبح سجينة للمنطق الذى يصنف الاختلافات فى الأدوار التى يمارسها الرجل والمرأة ، ومما هو جدير بالذكر أن أحمد لطفى السيد وهو قطب من أقطاب التنوير فى مصر اختار لملك كلمة (نسائيات) لتكون عنوانا للعمود الاسبوعى الذى تحرره فى مجلة (الجريدة) التى كان يرأس تحريرها ، ومع مرور الوقت أصبحت لها قاعدة عريضة من القراء ، وقد أثارت مقالاتها جدلا واسعا بين الكثير من المهتمين بأمور الثقافة والنهوض بالمجتمع ، وقد تعامل معها الجميع باعتبارها رائدة من الرائدات . وتوفيت فى سن صغيرة بالحمى الاسبانيولية فى القاهرة ليلة الخميس 17 اكتوبر سنة 1918 .