موسى الصدر: الإمام المخفي
موسى الصدر.. الإمام المخفي!!
عطية الطيب
لم يكن الإمام الشيعي المختفي قبل 22 عامًا موسى الصدر مرجعًا دينيًا للطائفة الشيعية في جنوب لبنان فحسب، وإنما كان مناضلاً سياسيًّا ومصلحًا اجتماعيًّا أثر غيابه كثيرًا على الشيعة في جنوب لبنان..ربما كان لمولده في مدينة "قم" الإيرانية الشيعية المشهورة في 15 (آذار) 1928م أثر في ثقافته الغزيرة التي تميز بها؛ إذ يعتبر الإمام موسى الصدر واحدًا من أشهر المثقفين الشيعة في القرن العشرين، وساعده على ذلك إجادته عدة لغات أجنبية إضافة إلى العربية والأردية.
غادر الصدر مدينته العلمية الشهيرة "قم" وتوجه إلى طهران؛ ليواصل دراساته الجامعية، فحصل على شهادة في العلوم الفقهية، عاد بعدها مرة أخرى إلى مسقط رأسه؛ ليساهم مع علماء الحوزات العلمية هناك في تعليم المذهب الشيعي، وظهر نشاطه وبدأ يلمع اسمه من خلال المحاضرات الدينية التي كان يلقيها في المعاهد الدينية في المدينة، وأصدر في تلك الفترة مجلة بعنوان "مكتبي إسلام".
في لبنان
سافر الإمام موسى الصدر إلى لبنان وهو في الثانية والثلاثين من عمره (1960م) حيث كانت رئاسة الطائفة الإسلامية الشيعية في مدينة "صور" في انتظاره بعد وفاة السيد عبد الحسين شرف الدين الرئيس السابق، ومنذ تلك اللحظة وحياة الصدر أخذت منحاً آخر.. فعمل على الارتفاع بمستوى الطائفة الشيعية في جنوب لبنان من النواحي الدينية والاجتماعية؛ حيث كانت نسبة الفقر وبخاصة وسط القرويين عالية مقارنة بنظرائهم في بقية المدن والمناطق اللبنانية، بعد ثماني سنوات 1968م منحته الحكومة الجنسية اللبنانية مع احتفاظه بجنسيته الإيرانية، وبعد تمرس ودربة على العمل الوطني امتد طموحه للعمل على المستوى اللبناني بأكمله ولا يحصر نفسه فقط في الجنوب، فأنشأ عام 1969م المجلس الشيعي الأعلى وانتخب رئيساً له في 21 ( أيار) 1969م لمدة ستة أعوام، ولقب منذ ذلك الحين بالإمام.ثم أعيد انتخابه لفترة ثانية عام 1975م تمتد حتى بلوغه الخامسة والستين أي تنتهي في 15 آذار 1993م.
مصلح اجتماعي
تميزت تلك الفترة في حياة اللبنانيين الشيعة التي تولى الإمام موسى الصدر فيها رئاسة المجلس الشيعي الأعلى بالازدهار، فأنشأ المؤسسات الاجتماعية والمدارس المهنية والمستوصفات الصحية ووضع نصب عينيه القضاء على الأمية ونجح في ذلك إلى حد كبير.واكتسب الإمام الصدر سمعته السياسية من خلال مقاومته الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، ورفضه لمشاريع توطين الفلسطينيين في لبنان خوفاً من اختلال التركيبة الديمغرافية للسكان في البلاد.
وحتى لا يتهم بالتعصب الطائفي حرص على إشراك المسيحيين والمسلمين السنة في أنشطته الاجتماعية ورؤاه السياسية؛ فأنشأ عام 1971م لجنة تضم القادة الروحيين المسلمين والمسيحيين في جنوب لبنان تكون من أولوياتها إثارة مشكلة الجنوب اللبناني المحتل على الساحتين العربية والدولية.
حركة المحرومين
ورأى الإمام الصدر أن أفضل وسيلة للضغط على الحكومة اللبنانية من أجل حثها على الاهتمام بالريف اللبناني هو تأسيس حركة سياسية من أهل الريف أنفسهم، فأسس حركة المحرومين، التي قامت بعدة مظاهرات قادها الإمام الصدر بنفسه للمطالبة بتحسين أوضاعهم، ورفعت الحركة شعار "النضال المستمر حتى لا يبقى محروم واحد في لبنان".
تأسيس حركة أمل
وكان من أهم أعمال الإمام موسى الصدر قبل اختفائه، تأسيسه حركة أمل الشيعية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وهي اختصار لـ "أفواج المقاومة اللبنانية"، التي لعبت دوراً بارزاً خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ووقفت أمام مشاريع توطين الفلسطينيين في لبنان.
الظهور الأخير
وكان آخر ظهور للإمام الصدر في الجماهيرية الليبية؛ حيث التقى بالعقيد معمر القذافي، ولم يُر بعدها لا في لبنان ولا في إيران، ولا يعرف على وجه اليقين مكان اختفائه حتى الآن، ولئن كان اللبنانيون الشيعة يتهمون الحكومة الليبية بالمسؤولية عن اختفائه، فإن للتصريح السياسي المبطن الذي أطلقه القائد الشيعي البارز الشيخ حسن نصر الله قبل أيام حينما قال بأن اللبنانيين لن يقبلوا من العقيد الليبي هدية على انتصارهم على الجيش الإسرائيلي في الجنوب أعظم من عودة الإمام موسى الصدر مغزاه.فهل سيجد الخاطفون طريقة تحافظ لهم على ماء وجوههم حتى ولو كان ذلك عبر مشهد سياسي أشبه بالأفلام الهندية، يعلنون في نهايته عن العثور على الإمام الصدر ويعود إلى ظهر الأرض التي غيب في باطنها؟ربما.. فقط نأمل ألا يكون بعيداً!!.
انظر أيضا المقالة الرائعة: المسيحية في فكر الإمام موسى الصدر