عشاق الله

في معنى المائدة

  في  خطابه الافتتاحي إلى المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان والثقافات الذي انعقد في أوهريد، مقدونيا 26-28 أكتوبر 2007، ذكر ر. برونيت ثومبسون   R. BURNETT THOMPSON شهادة سابقة لأحد أعضاء البرلمان التركي اسمه يوسف أوزال قال   فيها أنه كمسلم   يؤمن بالسيد المسيح مخلِّصا للبشرية، لأن المسلمين يؤمنون جميعا أن المسيح سيظهر من جديد لينشر الحق والعدل والسلام على الأرض. وهي حقا شهادة قوية جدا، لأنها تعصف بكل الأقوال التي تعتبره مجرد نبي ورسول لا يختلف عن باقي الرسل والأنبياء.*وقد ذكرني ذلك القول بآيات قرآنية كثيرا ما توقفت عندها، محاولا فك مغاليقها، وهي الآيات 112-115 من سورة المائدة.

في الحقيقة توقفت خصوصا عند مفهوم المائدة الذي أخذت منه السورة نفسها اسمها. تقول الآية:

"وإذ قال الحواريون: يا عيسى ابن مريم، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟ قال: اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا: نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. قال عيسى ابن مريم: اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين. قال الله: إني منزّلها عليكم، فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذاباً لأ أعذّبه أحداً من العالمين"

نلاحظ في الآية ثلاث لحظات قوية: 1- طلب الحواريين، 2- دعاء السيد المسيح بنزول مائدة من السماء تكون عيدا للأولين والآخرين، 3- استجابة الله الدعاء.

لكني لم أقتنع أبدا بالتفاسير التي تجعل من تلك المائدة مائدة مادية، أي لحم أو سمك وأرغفة الخ. فالقول "من السماء" يعني أنها سماوية أي روحية لا مادية. ولو كان غرضه تعيين جهة النزول لكان اكتفى بالقول "أنزل عليهم" لأن النزول لا يكون إلا من أعلى. إذن هي مائدة سماوية روحية لا مائدة لحم أو سمك وأرغفة. وما يقابلها في الإنجيل ليس معجزة السمكات والأرغفة القليلة التي أشبعت الآلاف كما يعتقد الكثيرون، بل ما يقابلها حقا في الإنجيل هو قول السيد المسيح:

"«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ». فَقَالُوا لَهُ:«يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هذَا الْخُبْزَ». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.  وَلكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ». (يوحنا 6: 32-40)

السيد المسيح هو نفسه المائدة. هو الذي جعله الله مائدة للأولين والآخرين. وليست هذه دعوة للتبشير. بل دعوة للتأمل في المقطعين من القرآن الكريم والإنجيل الشريف، ومحاولة النظر إلى السيد المسيح كلحظة لقاء احتفالية (عيد) باهرة بين المسلمين والمسحيين، وإحقاقه حقه رئيسَ سلام للعالم كما يؤمن المسلمون والمسيحيون، لا مجرد اسم عابر في لائحة الأنبياء والرسل. هي فرصة تأمل. فلنغتنمها. لأن الوقت ضيق جدا.

نادر عبد الأمير

*تحية خاصة للسيد بول بيتري   Paul Petrie الذي وافانا بهذه المعلومة القيمة