عشاق الله

الدين بين الفطرة والسياسة

  ينظر المسلم المتعصِّب إلى الكنيسة كمكان لإنتاج الخائف؛ وينظر المسيحي المتعصِّب إلى المسجد كمكان لإنتاج المخيف. كلاهما مخطئ! فالكنيسة مكان يبشِّر بالمحبة، والمسجد مكان يبشر بالعدالة؛ والتعايش بينهما يخلق أوطانًا أفضل ومجتمعات متماسكة وأفرادًا أكثر تسامحًا. تاريخيًّا، كان هذا التعايش بين الكنيسة العربية والمسجد العربي، تحت مظلة الدين الشعبي لكلٍّ منهما، هو الرافعة الأساسية للحضارة العربية. فما هو الفرق بين الدين الشعبي والدين السياسي؟

الدين الشعبي دين الفطرة، المرتكز على المبادئ الإنسانية السامية، كالمحبة والرحمة والعدل والحرية والمساواة والإخاء والاحترام المتبادل بين جميع البشر. وعلى المستوى الفردي، هو علاقة مباشرة – بلا وساطة أحد – بين المؤمن وربِّه. أما الدين السياسي فهو مؤسَّسة إيديولوجية مبنية على أصولية معينة. والأصولية – في جوهرها – ادِّعاء امتلاك الحقيقة ومحاولة فرضها على الآخرين.

الدين الشعبي يقوم على التسامح والتعدد؛ والدين السياسي يقوم على التعصب والتفرقة. وغالبًا ما يتغذَّى الأخير من خلال النظام الحاكم الذي يسعى لتقوية سيطرته على الحكم بواسطة الدين السياسي (رجال دين، حزب ديني، شخصيات عامة، جمعيات). فالعلة الأساسية تكمن في النظام ومدى استخدامه الفروق المجتمعية التي تغذِّي موقفه: في العراق سُنَّة وشيعة؛ في لبنان مسلم ومسيحي؛ في مصر مسلمون وأقباط؛ في سوريا سُنَّة وعلويون؛ في الجزائر عرب وبربر؛ في السودان مسلمون ومسيحيون، وشمال وجنوب.

في الدين الشعبي لم يكن من قبيل المصادفة أن الخليفة كان يُدعى "أمير المؤمنين"، وليس أمير المسلمين. وقصة عمر بن الخطاب معروفة عندما وجد يهوديًّا عجوزًا يتسوَّل في المدينة، فأمَرَ له بمعاش مدى الحياة يُدفَع من بيت مال المسلمين، لأنه مواطن في دولة، على رأس مسؤولياتها رعاية مواطنيها في الدرجة الأولى، بغضِّ النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الجنس.

كذلك يحدِّثنا الدين الشعبي عن أمير إحدى القبائل الذي كان في طريقه إلى الحجِّ مع عدد كبير من أتباعه. وفي إحدى محطات الاستراحة في الصحراء، حيث نصبوا خيامهم، لاحظ وجود فتاة صغيرة تبحث عن طعام في أكوام القمامة، فاستفسر منها عن السبب؛ وعندما علم أنها تجمع بقايا الطعام لأسرتها الفقيرة، تبرَّع لها بجزء كبير من طعام الرحلة وكسائها، وقطع رحلة الحجِّ قائلاً لأتباعه: "لنعد إلى ديارنا؛ فقد أتممنا مراسم الحجِّ هذا العام." فالعمل الصالح – لا الطقوس – جوهر الدين.

محمد خالد