عشاق الله

الهوية والعقيدة

 

الهوية والعقيدة

خلال مؤتمر للحوار الديني صادفت بعض المسيحيين المتنصرين القادمين من أحد البلدان الإسلامية. وقد أثار الجميع اختلاف هؤلاء المسيحيين الآتين من بيئة عربية إسلامية عن المسيحيين العرب التقليديين كما عرفناهم في الشرق الأوسط. ذالك أن أول ملاحظة هو عدم تميز هؤلاء  في خطابهم الديني وتفكيرهم عن باقي المسلمين. فهم يستعملون مصطلحات وعبارات إسلامية محضة، ويعبرون عن مواقف إسلامية بخصوص قضية فلسطين والعراق، وغير ذلك. ولا يرون في ذلك تناقضا مع إيمانهم بالسيد المسيح منقذا ومخلصا. ولكن المفاجأة الكبرى بالنسبة للكثير من المسيحيين التقليديين خلال المؤتمرهي عندما تحدث أحد أولئك المتنصرين عن هويته العربية الإسلامية، واعتزازه وتمسكه بها.

لم يكن الأمر مفاجئا لي شخصيا. فتكويني الثقافي والأكاديمي ساعدني كثيرا على التمييز بين ما هو ديني عقدي، وما هو ثقافي، إذ يمكن للمرء أن يكون مسلما من ناحية العقيدة دون أن يكون له أي انتماء عربي إسلامي، كحال العديد من الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام. فإذا كان الدين والعقيدة اختيارا شخصيا، فإن الهوية العربية الإسلامية مسألة نشأة، وبيئة، وثقافة، وتربية من المستحيل على أبنائها التخلص منها، ومن الصعب الممتنع على الغرباء عنها اكتسابها اختيارا. فالهوية العربية الإسلامية بالنسبة للفرد الذي ولد وترعرع وشب في بيئة عربية إسلامية هي بمثابة اللحم الذي يكسو عظامه، والدم الذي يجري في عروقه، والجلد الذي يكسو  جسده.

  وفي مقابل الشخص الغربي الذي يعتنق الإسلام دينا، ويبقى خارج الهوية العربية الإسلامية بحكم انتمائه إلى ثقافة أخرى نجد العربي المسلم الذي يعتنق المسيحية في فترة من فترات حياته. فهذا الأخير لا يستطيع مهما  فعل التخلص من تراثه العربي الإسلامي. ذلك أن المفاهيم والتصورات التي تؤطر مجمل تفكيره هي تصورات عربية إسلامية.

نعم، يحاول الكثير من الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام الظهور بمظهر المتشرب للثقافة العربية الإسلامية، لكن كل ذلك لا يتعدى بعض المظاهر السطحية التي لا تصل إلى عمق الهوية، مع أنهم من ناحية العقيدة مسلمون خلصاء لإيمانهم. نفس الشيء ينطبق على العرب المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية. إذ مهما حاولوا الظهور بمظهر المسيحي الغربي من ناحية الخطاب، والعادات، والتفكير لا يكاد ذلك يتعدى الظاهر السطحي، بينما تبقى هويتهم العربية الإسلامية فاعلة في العمق.

لهذا السبب اختار هؤلاء الشباب الجدد من المتنصرين الآتين من بلدان إسلامية التصالح مع ثقافتهم الإسلامية، والتمييز داخلها بين ما هو عقدي صرف وما هو ثقافي مشترك بين كل أبناء الأمة سواء كانوا مسلمين، أو مسيحيين، أو حداثيين، أو حتى لا دينيين.

فمتى نستطيع مسيحيين ومسلمين التمييز بين العقيدة التي هي مسألة اختيار، والهوية كمسألة كيان.

نادر عبد الأمير