عشاق الله

التدين والإيمان

  يقول السؤال الموجود في خانة التصويت على الموقع "هل تقبل(ين) الزواج من شخص غير متدين ؟"، وقد كان من بين الأجوبة الاختيارية المطروحة جواب يقول "نعم شرط أن يكون مؤمنا". لكننا لاحظنا شيئين بخصوص هذا التصويت. أولا، استغراب البعض من الإمكانية أن يكون شخص ما مؤمنا دون أن يكون متدينا لدرجة أن أحدهم وضع صورة للتصويت في موقع خاص بكل ما هو غريب معلقا بقوله "نفسي أعرف كيف غير متدين ومؤمن؟" كما ترون من خلال الرابط:http://www.4img.com/up/07/07/09/631179c29923765dc88068b501ee231467214315.gif والأمر الثاني الذي لاحظناه هو أن نصف الأصوات كانت ضد الزواج من شخص غير متدين.

يمكننا أن نستنتج عدة خلاصات من نتائج هذا التصويت، لعل أهمها جميعا هو المكانة التي  يحتلها التدين في حياة الناس. أمر مفرح لا محالة. لكنه أيضا محزن، لكون ظاهر الأشياء أضحى مقياسا هاما لتدبير شؤون حياتنا الأكثر حساسية مثل الزواج. فالتدين من زاوية الكثير من الناس يسبق الإيمان، بمعنى أن مظاهر كالذهاب إلى المسجد أو الكنيسة، والصوم، والتصدق أمام الملأ، والسبحة، واللحية، والحجاب، والصليب، والعمامة، والطاقية، والترنيم أمام الملأ أو قراءة الأدعية هي ضمانة كافية للحكم على الشخص، والتعامل معه. وهو ما فتح الباب أمام استفحال ظاهرة النفاق في المجتمع، وما نتج عنها من عواقب وخيمة عصفت بحياة الكثيرين والكثيرات.

لكن السؤال الذي على كل واحد منا أن يطرحه الآن هو "هل هذا هو المطلوب؟ هل الإسلام يحث على التدين أم الإيمان؟ هل المسيح طلب من الناس أن يتدينوا، أم ضرب عرض الحائط بكل أشكال التدين، ودعا بدل ذلك إلى الإيمان الحق.؟نقرأ في القرآن الآيات التالية وهي واضحة لا غبار عليها في التقليل من شأن التدين:

قالت الأعراب: "آمنَّا" قل: "لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم" (الحجرات 14) 

يمنُّون عليك أن أسلموا، قل: "لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم، بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إنْ كنتم صادقين" (الحجرات 17)

ليس البر أن توَلُّوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب، ولكن البرَّ مَن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين [...] (البقرة 177) 

أجعلتم سقاية الحاج وعِمارةَ المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟! (التوبة 19) 

إلى غير ذلك من الآيات التي تؤكد أن المسلم يمكن أن يمارس كل العبادات الإسلامية ويواظب عليها دون أن يكون مؤمنا. وهي حقيقة قد تصدم العديدين. لكنها الحقيقة. المؤمنون عملة نادرة، بينما المتدينون من المسلمين و المسيحيين لا يحصون. وقد قال السيد المسيح عدة أشياء في الحث على عدم الاهتمام بمظاهر التدين، والتمسك بعمق الإيمان والتصرف مثل أقواله:

ليس مَن يقول لي: "يا رب، يا رب" يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل بإرادة أبي الذي في السماوات. (متى 7: 21)

ليس ما يدخل الفم [من مأكول ومشروب] ينجِّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجِّس الإنسان. (متى 15: 11)

ويلٌ لكم، أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! فإنكم تؤدون العِشْر عن النعنع والشمرة والكمون، وتهملون أخطر ما في الناموس [الشريعة]: العدل والرحمة والأمانة. [...] أيها القادة العميان الذين يصفُّون الماء من البعوضة ويبلعون الجمل! (متى 23: 23-24)

أيها المراؤون، حسنًا تنبأ أشعيا عليكم، إذ قال: "هذا الشعب يكرِّمني بشفتيه، وأما قلوبهم فبعيدة عني جدًّا. فهم باطلاً يعبدونني، إذ هم يعلِّمون تعاليم من وصايا الناس." (متى 15: 7-8)

إلى غير ذلك من الأقوال التي تبين تمييز السيد المسيح بين ذلك المتدين الذي يعطي الأهمية للمظاهر إما توهما منه أن الله سيكافئه على ذلك، أو احتيالا على المشاعر الدينية لدى الناس، أو رياء، أو تمجيدا للذات، وبين المؤمن الحقيقي الذي يكون قلبه المفعم بالإيمان ومحبة الله بوصلته في ممارسة عباداته ومعاملاته جميعا. فلنصل لله جميعا لكي يملأنا بالإيمان ويجعله زادنا، والرجاء فيه وحده، ويتوج ذلك بالمحبة الصادقة. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

نادر عبد الأمير