عشاق الله

الحقيقة هي وحدة الحب مع كل الموجودات

 

منذ وجود الإنسان على الأرض وهو يبحث عن الحق أو الحقيقة، و ما زالت هذه المشكلة تؤرق الإنسان حتى اليوم، ويدور إنجيل يوحنا -الذي كُتب لليونانيين أكثر الشعوب بحثاً عن الحقيقة في ذلك الوقت –حول فكرة "الحق أو الحقيقة"، وأول من يتلقى الحق أو الحقيقة هو الطفل الذي يوجد في عائلة متدينة، لكن سرعان ما يتمرد هذا الطفل على الحقيقة عندما يصل إلى سن المراهقة، ويرفض الحقيقة التي فُرضت عليه سواء من أبيه أو أمه  أو  أستاذه أو راعيه. ذلك لأن هذه الحقيقة أتت إليه من سلطة أعلى وفرضت عليه فرضاً.

صحيح أن السلطة أعطت الطفل أو القاصر شيئاً يعيش عليه إلا أن التمرد يحول هذا الطفل إلى مسؤول عن الحقيقة سواء بقبولها أو رفضها، وهنا يبدأ الإنسان البحث عن الحقيقة وأول وسيلة يتجه إليها الإنسان هي العلم أو المعرفة، فالشعر يعطي الجمال لكنه لا يقدم المعرفة، والأخلاق تعيننا على الحياة لكنها لا تعيننا بالنسبة للحقيقة، لذلك نتصور أن المعرفة والدراسة هي طريقنا إلى الحقيقة لأنها تنير لنا الطريق، لكن جميع الذين درسوا أكاديمياً بحثا ًعن الحقيقة انقسموا في شأنها فمنهم من قال إنهم بالبحث فقدوا ما كان لديهم قبلاً من حقيقة مناسبة وآخرون قالوا أنهم لا يهتمون بمثل هذه الحقيقة لأن الحياة تسير بهم من يوم إلى آخر بدونها، وهناك فريق ثالث يقول لقد كان هناك كتاب أو كانت هناك حادثة خارج دراستهم هي التي أعطتهم شعوراً بالحقيقة، وبعض اللاهوتيين منهم يقولون أن النور الإلهي الأبدي في نفوسنا يدلنا على الحقيقة، إلا أن كل هؤلاء يتفقون على أن العمل الدراسي ليس هو الذي يستطيع أن يعطي الحقيقة المناسبة لحياتنا أو التي نكتشفها ونعيش عليها ولأجلها.

ولقد سأل بيلاطس السيد المسيح: ما  هو الحق (الحقيقة)؟ وهو يعبر بهذه الكلمات الثلاث عن يأسه ويأس معاصريه من الوصول إلى الحقيقة وهو أيضاً يعبر عن ملايين من معاصرينا والذين يحيطون بنا، واليأس من الحقيقة هو أكبر خطر  على الإنسانية جمعاء، وهو يدفع البشر إلى إتجاه من إثنين، الأول من يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة والثاني هم الذين لا يعبأون بالحقيقة، والنوع الأول دائماً يشيرون إلى تراثهم وماضيهم، وهو ما قدمه يوحنا الإنجيلي على فم اليهود الذين أشاروا إلى إبراهيم أبيهم وبالتالي فلديهم كل الحقيقة ولا يجب أن يقلقوا من المشكلة التي يواجهونها في يسوع الذي قال "أنا هو الحقيقة" وهناك مسيحيون يشيرون إلى تراثهم وآباء كنيستهم وباباواتهم أو روادهم من المصلحين، لذلك هم يمتلكون الحقيقة ولا يحتاجون لمناقشة هذه المشكلة التي تواجههم، بل وغير المسيحيين يشيرون إلى كتبهم وتراثهم وأنبيائهم  على أنها الحقيقة وذلك هرباً من مواجهة مشكلة الحقيقة، بل وأحياناً يتطرفون في امتلاكهم للحقيقة فيكفرون من لا ينتمون إليهم، بل يقتلون أنفسهم لأنهم واثقون من امتلاكهم للحقيقة وغير مستعدين لمحاورة أحد،  وهنا يأتي العنف في فرض الحقيقة من وجهة نظرهم بديلاً للإقناع، وهم لا يدرون أن مجرد استخدام العنف لفرض حقيقتهم هو أكبر دليل على عدم وصولهم إلى الحقيقة.

إن كل هؤلاء لا يملكون الحقيقة التي تحرر، إنهم يملكون الحقيقة التي تستعبدهم سواء من خلال التراث والآباء أو المؤسسة الدينية.. إلخ، وأكبر خطر على الإنسان الباحث عن الحقيقة هو الوصول إلى نقطة الرضا عن الذات لأجل الحقيقة التي يمتلكها من خلال معتقداته الخاصة فلا توجد حرية حيث يوجد الجهل أو حيث يوجد الرفض المتعصب لأفكار الآخرين، وطرق حياتهم،بل يوجد استعداد شيطاني يسمى امتلاك الحقيقة المطلقة فهي محاولة للتشبه بالله وتتم بإسم الله فالإنسان هنا يضع نفسه مكان الله.

د. إكرام لمعي