عشاق الله

الله و العقل

  حبا الله الإنسان بنعمة العقل، و حثه على استعمال تلك النعمة قدر المستطاع، و حسب الإمكانات المتاحة للعقل البشري. و في ذلك آيات عديدة سواء من الكتاب المقدس أو القرآن. فالسيد المسيح يقول مواجها عماء اليهود حوله، و تجاهلهم الحقائق الساطعة أمام أعينهم: "َلَوْ لَمْ أَعْمَلْ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، لَمَا كَانَتْ لَهُمْ خَطِيئَةٌ. وَلكِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي وَأَبْغَضُوا أَبِي، مَعَ أَنَّهُمْ رَأَوْا تِلْكَ الأَعْمَالَ. وَقَدْ صَارَ ذلِكَ لِتَتِمَّ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِي شَرِيعَتِهِمْ: أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ!" (يوحنا 24:15-25). فهو يدين لديهم غياب اشتغال العقل من خلال إصرارهم على عدم الربط بين الأعمال التي عملها، و الإيمان بكلمته. كما أن كل أحاديثه مع أحبار اليهود كانت عبارة عن جدال عقلي مشفوع بالأعمال حول طبيعة رسالته.

القرآن الكريم أيضا يحفل بالآيات التي تدعو إلى النظر و استعمال العقل حيث نقرأ في سورة الأنفال: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" (الأنفال:22)، و الصم البكم هم هنا المعرضون عن مواجهة الحق رغم وضوحه، و المصرون على إنكاره رغم قوة حجته، و هم في ذلك أحط من الدواب التي ترعى في الحقل. فقد انتفت عنهم صفة الإنسية لعدم استخدامهم نعمة العقل التي حباهم الله بها. كما نقرأ في الآية التالية من سورة يونس كلاما شبيها: "وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ"(يونس:100)

هذه الدعوة إلى استخدام العقل تجعلنا نقف قليلا موقف المتأمل مما يقع حولنا من أحداث رهيبة، متسائلين عن القوة الأصلية المحركة لكل هذا الدمار المستشري حولنا. هل هي قوة إلهية؟ حاشا. فالله الذي كرم الإنسان و دعاه إلى استخدام العقل لا يمكن أن يكون هو نفسه القوة المحركة لكل هذه الهمجية البشعة التي تستغل اسمه في بث المزيد من الفرقة و إشعال فتيل الفتن و الحروب. قلت حاشا لأن هناك مبدأ عقليا عظيما نميز من خلاله ما يصدر عن الله من جهة و عن قوى الشر من جهة أخرى: و هذا المبدأ لخصه السيد المسيح عندما حذرنا من الأنبياء الكذبة قائلا:   "اِحْذَرُوا الأَنْبِيَاءَ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْكُمْ لاَبِسِينَ ثِيَابَ الْحُمْلانِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنَ الدَّاخِلِ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَبٌ، أَوْ مِنَ الْعُلَّيْقِ تِينٌ؟ هَكَذَا، كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَراً جَيِّداً. أَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ، فَإِنَّهَا تُثْمِرُ ثَمَراً رَدِيئاً. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُثْمِرَ الشَّجَرَةُ الْجَيِّدَةُ ثَمَراً رَدِيئاً، وَلاَ الشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ ثَمَراً جَيِّداً. وَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تُثْمِرُ ثَمَراً جَيِّداً، تُقْطَعُ وَتُطْرَحُ فِي النَّارِ. إِذَنْ مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ." (متى 15:7-20). كما خاطب أيضا أحبار اليهود المتشددين قائلا: "كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار؟ فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرِج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور" (متى 12: 34-35). فكما أن الثمر يظهر طبيعة الشجر، كذلك الأعمال تظهر طبيعة المصدر المحرك لها. في هذا العدد أحببنا أن ندعو للتأمل و التفكير في هذا الموضوع الهام من خلال مقال رائع للمفكر محمد السماك عضو لجنة الحوار المسيحي الإسلامي يتساءل فيه حول العديد من النقاط  المتعلقة بهذا الموضوع و الجديرة بالطرح.

نادر عبد الأمير