الإنسان و السؤال
كثيرا ما نعتقد أن التفكير بالوجود و الخلق هو حكر على طبقة معينة من الناس نسميهم الكتاب و المثقفين و المفكرين و الفلاسفة الخ. و كثيرا ما نفكر بالحوار بين الثقافات و الأديان و المعتقدات كترف فكري أو وجودي تحتكره أيضا هذه الطبقة، و يأتي بعد أشياء أخرى مهمة و مباشرة. لكن هذه النظرة إلى التفكير تنم عن مفهوم نخبوي للثقافة، و تختزلها في ما يسمى بالثقافة العالمة، أي ثقافة الكتب. لكن الثقافة هي أيضا حسب كوينسي رايت "النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب ,يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية " و هي حسب تايلر "ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفن والآداب والأخلاق والقوانين والعرف والقدرات والعادات الأخرى التي يكسبها الإنسان بوصفة عضواً في المجتمع". و هي حسب المفكر الإسلامي مالك بن نبي "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته وتصبح لاشعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه"
لذلك يمكن القول أن التفكير بالوجود و الخلق و الثقافات و الأديان الأخرى هو من صميم الوجود اليومي لأي فرد في المجتمع سواء كان كاتبا كبيرا أو فردا أميا بسيطا. كل إنسان ينبهر و يفتتن و يحتار في طفولته أمام أشياء العالم، و تزدحم في فكره الصغير أسئلة كثيرة منها ما يبوح به لمن حوله، و منها ما يحتفظ به، فتغوص عميقا في وجدانه. الشيء الأكيد هو أن سؤال الوجود و الخلق متأصل في بنية الفكر الإنساني، و كون البعض لا يطرحه علانية لا يعني أنه غير معني به، بل فقط يتفاداه بطريقة من الطرق.
على الإنسان أن يدرك أن وجوده الشخصي سؤال عميق في حد ذاته. و عليه أن يواجه هذا السؤال بشجاعة، لأن هذه المواجهة هي ما يميزه عن باقي المخلوقات، و هي ما يمنحه بعده الإنساني. و الفلاسفة و المفكرون و الكتاب إنما هم أناس استحوذ عليهم السؤال بدرجة فاقت مستوى اهتمام الإنسان العادي، فارتقوا للجواب عليه مراقي شتى. فالفرق بينهم و بين الإنسان العادي ليس فرق كيف بل فرق كم فقط. أما طبيعة السؤال فثابتة في فكر و وجدان كل إنسان حي. لقد اخترنا في هذا العدد الكاتب و المفكر الروسي ليو تولستوي كنموذج للحياة التي سكنها هاجس سؤال الوجود، حيث قضى هذا الرجل معظم عمره محاولا صوغ الأجوبة تلو الأجوبة في سباق و صراع محمومين مع الزمن و المجتمع. كما اخترنا مقالا للأب الدكتور يوسف مونس يتأمل فيه مفهوم الحوار بين الديانات كجزء لا يتجزأ من سؤال البحث عن سر الحضور الإلهي، و كتعبير عن توق تصاعدي صاحب الإنسان منذ البدء نحو خالق هذا الكون.نادر عبد الأمير