البطريرك طيموثاوس: انفتاح الإسلام على المسيحية
البطريرك طيموثاوس: انفتاح الإسلام على المسيحية
أبصر طيموثاوس النور في نحو سنة 728 في قرية حزة الواقعة في الجنوب الغربي من أربيل الحالية. وتولى تهذيبه عمه كيوركيس الذي كان اسقفا لبيث بغاش، ثم ارسله إلى مدرسة باشوش في منطقة عقرة ليتلقى العلم على الأستاذ براهيم برد اشنداد الملقب بالاعرج، وبالإضافة إلى العلوم الدينية، تعلم طيموثاوس فلسفة ارسطو وتمرس على قراءة الاباء اليونان وترجمة كتاباتهم إلى السريانية، وتبع معلمه إبراهيم لدى إنتقاله إلى مدرسة مار كبريئيل(الدير الأعلى في الموصل)
وفي نحو سنة 775 اقيم اسقفا لبيث بغاش خلفا لعمه، و لدى وفاة البطريرك حنانيشوع الثاني سنة 779 كان اسم طيموثاوس بين المرشحين للبطريركية، واستطاع بمختلف الوسائل ان يقنع الناخبين باختياره دون منافسيه العديدين. و بعد الفترة الأولى الصعبة التي حاول فيها هؤلاء المنافسون ان ينكروا شرعية هذا الإنتخاب، و كادوا يحدثون انشقاقا في كنيسة المشرق، تمكن طيموثاوس، بواسطة الموالين له و اصدقائه المتنفذين ان يعالج الأمور بدراية و حكمة و بتواضع ايضا، حتى توصل إلى حل يرضي الجميع.
عاش في ظل خمسة خلفاء عباسيين تعاقبوا على الخلافة في بغداد، وعرف ان يقيم علاقات حسنة مع السلمين و مع سائر الفئات المسيحية الأخرى، واكتسب احترام الجميع لحسن إدارته وعلمه الغزير الذي وضعه في خدمة الكنيسة و المجتمع. في تلك الحقبة التي نشطت فيها حركة الترجمة، والتي فيها لعب الكتاب و المترجمون و الأطباء المسيحيون دورا بارزا في نقل العلوم اليونانية إلى العرب، ويعتبر طيموثاوس ابرز شخصية قامت في كنيسة المشرق في العهد العباسي الأول. فهو الاداري المحنك والعالم النحرير و السياسي المرن ، و شمل نشاطه مختلف الأصعدة الدينية و المدنية، وتوفي في سنة 823 ودفن في ير كليليشوع المعروف بدير الجاثليق في جانب الكرخ من بغداد.
يورد الكاتب لطفي حداد هذا الحوار الطريف الذي ذكر البطريرك طيموثاوس أنه دار بينه و بين الخليفة المهدي سنة 781 للميلاد. و فيه يبدو مدى انفتاح الإسلام و المسيحية على بعضهما البعض في العصر العباسي.
"وملكنا الحليم، المملوء حكمة، قال لي: "ماذا تقول عن محمد؟" فجاوبته قائلاً: "إن محمدًا يستحق المدح من جميع الناطقين، وذلك لأجل سلوكه في طريق الأنبياء ومُحبِّي الله. لأن سائر الأنبياء قد علَّموا عن وحدانية الله، ومحمد علَّم عن ذلك. فإذًا هو أيضًا سلك في طريق الأنبياء. "ثم كان أن جميع الأنبياء أبعدوا الناسَ عن الشرِّ والسيئات، وجذبوهم إلى الصلاح والفضيلة. هكذا محمد أبعد بني ملَّته عن الشر، وجذبهم إلى الصلاح والفضائل. فإذًا هو أيضًا قد سلك في طريق الأنبياء."ثم إن جميع الأنبياء منعوا بني البشر من سجدة الشياطين وعبادة الأوثان، وحرَّضوهم على عبادة الله – عزَّ وجل – والسجود لجلالته. هكذا محمد منع بني ملَّته من عبادة الشياطين والسجدة للأوثان، وحرَّضهم على معرفة الله والسجود له تعالى: الذي هو وحده إله، وليس بإله آخر سواه. فقد اتضح إذًا أن محمدًا قد سلك في طريق الأنبياء."ثم إن كان محمد قد علَّم عن الله وكلمته وروحه فجميع الأنبياء تنبأوا عن ذلك. فمحمد إذًا قد سلك في طريق الأنبياء."فمَن لا يمدح ويكرِّم ويبجِّل ذلك الذي يحارب من أجل الله؟ ليس بالكلام فقط، بل وبالسيف أيضًا، أظهر الغيرة لأجل البارئ تعالى. وكما فعل موسى النبي في بني إسرائيل الذي صنعوا عجلاً من ذهب وسجدوا له، فقتل بالسيف وأباد جميع الذين سجدوا للعجل، هكذا محمد أيضًا صنع، لما أظهر الغيرة من أجل البارئ – سبحانه وتعالى – وأحبَّه وكرَّمه أكثر من نفسه وعشيرته وبني أمَّته."والذين كانوا يتَّبعونه في إكرام الله ومخافته كان يمجِّدهم ويكرِّمهم ويمدحهم ويوعد لهم أيضًا الجنة والمجد والإكرام، من لدن الله في هذا العالم، وفي الآخرة بالجنة. والذين كانوا يعبدون الأصنام ويسجدون لها كان يحاربهم وينذرهم بعذاب أليم في نار الجحيم التي بها يحترق المنافقون، وهم فيها خالدون."وكما فعل إبراهيم، خليل الله، الذي ترك الأوثان وأبناء جنسه، وتبع الله وسجد له، فصار يعلِّم عن وحدانية الله للأمم، هكذا صنع أيضًا محمد لما ترك سجدة الأوثان والذين كانوا يسجدون لها من بني جنسه وغيرهم من الغرباء، فأكرم فقط ذلك الذي هو وحده الإله الحق وسجد له."