عشاق الله

درس لبنان

 

درس لبنان

سلوك الأشقاء اللبنانيين خلال الحرب أثلج صدر العرب المحبين للحق و السلام في كل مكان، كما خيب بالقدر نفسه الآمال الشريرة و الرخيصة للعديد من القوى سواء من العرب أو غيرهم ممن راهنوا على الحرب لدمار لبنان الكلي، و زرع فتيل الفتنة. فقد أجمعت التقارير و الاستطلاعات و الربورتاجات على الالتحام الوطني اللامسبوق الذي حدث بين أبناء شعب لبنان على اختلاف معتقداتهم الدينية و السياسية و انتماءاتهم الطائفية و الاجتماعية. كانت تلك الحرب على قذارتها ككل حرب موعدا تاريخيا لم يخلفه الشعب اللبناني الشقيق، إذ أبان عن عمقه الحضاري الضارب في جذور التاريخ من عهد الفينيقيين إلى مجد النهضة العربية التي صنعها أبناء لبنان لبنة لبنة ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر.

كيف لا نفرح كعرب و نحن نسمع عن مسيحييي بلدة دير الأحمر مثلا و استقبالهم التاريخي للنازحين باعداد غفيرة من مسلمي جنوب لبنان إبان الحرب الأخيرة. لقد فتح هؤلاء أبواب بيوتهم على مصاريعها أمام إخوانهم المسلمين، فآوههم و أطعموهم و واسووا بعضهم البعض فيما حل بالبلد الصغير المسالم. و ليست تلك البلدة إلا نموذجا بسيطا للتلاحم التآزر و التكافل الذي حدث في كل أرجاء لبنان. كيف لا نفرح و نحن نسمع عن المسلمين الذين افترشوا باحات الكنائس، و القسس الذين كانوا يعبرون بينهم يقدمون الطعام و الدواء و العون. حتى خطابات المقاومة اللبنانية متمثلة في شخص قائدها حسن نصر الله اختلفت كثيرا في نبرتها و فحواها عن خطاب المقاومة العربي و الإسلامي السائد المتميز بالتنطع و العنتريات و التبجح. يبدو أن الرجل خيب آمال أولئك الذين كان يرغبون في مشاهدة المزيد من الصواريخ تنهال على إسرائيل و مشاهدة المزيد من القصف الإسرائيلي للبنان. خطاب هذا الرجل بكل ما يحمل من واقعية و نقد ذاتي ينم عن إيمانه أنه لبناني قبل كل شيء. لقد سبق قال في إحدى حواراته أثناء الحرب أن الانتصار بالنسبة إليه "هو حافز وحدة وتكامل وليس عامل تغلب واستعلاء، وسيكون  دافعا قويا لتجسيد وحدتنا الوطنية التي جسدها شعبنا في هذه الأيام وجسد قيم  السيد المسيح والرسول محمد بالتكافل والتضامن والتآزر".

و ها هو لبنان اليوم يضمد جراحه، و يتطلع إلى مرحلة تاريخية جديدة سينبعث فيها ككل مرة جديدا، معافى، قويا بوحدة أبنائه، راسخا في وطنيته، مثالا لما ينبغي أن يكون بين أبناء الشعب الواحد. أما نحن فلا نملك أن ندين أحدا من هذا المنبر، بل نتوجه إلى جميع الأطراف و الفرقاء بالكلمات البسيطة، القوية و الوديعة في نفس الآن، التي قالها السيد المسيح سواء في موعظته على الجبل في سفر متى:" طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ."

أو في سفر يوحنا

"سلاما أترك لكم.  سلامي أعطيكم.  ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا.  فلا تضطرب قلوبكم, ولا ترتعب." (يوحنا 14: 27)

نادر عبد الأمير