عشاق الله

انتصار الإسلام لا يعني انتصار المسلمين بل انتصار القيم العالمية للإسلام

 

انتصار الإسلام لا يعني انتصار المسلمين بل انتصار القيم العالمية للإسلام

مفهوما "دار الإسلام" و "دار الحرب" هما بلا شك من المفاهيم الفاعلة في المخيال الجمعي لغالبية المسلمين. و حين نقول المخيال الجمعي فإننا نعني التصورات اللاشعورية العميقة التي ترسبت عبر العصور في العقل الجمعي للمسلمين. فمعلوم أن المفهومين المذكورين هما مفهومان فقهيان يستندان إلى موروث شرعي كبير ساهم في تقعيده فقهاء المذاهب الأربعة في سياقات تاريخية معينة. و هذان المفهومان يقسمان العالم إلى قسمين اثنين: دار الإسلام التي هي ذلك القسم من العالم الذي يتحقق فيه حكم الإسلام، بعبارة أخرى أرض الإسلام او الأمة الإسلامية، ثم دار الحرب أي   "البلاد التي لا تكون فيها السيادة والمنعة للحاكم المسلم  ، ولا يقوى فيها المسلمون على تطبيق الأحكام الإسلامية". هذا التقسيم ترسخ في الذهنية الإسلامية بشكل لا واع و أطر علاقة المسلم مع الآخر تأطيرا سلبيا أجج لهيبه الحس العدائي لدى الآخر كما جسدته الحروب الصليبية السيئة الذكر. و لقد استند فكر الحركات الإسلامية المعاصرة في علاقته مع الآخر إلى هذا التقسيم أيضا، و هو ما يفسر سهولة استقطاب هذه الحركات إلى شريحة هامة من الشباب، وبث أسباب العداء لديها تجاه الغرب المسيحي و كل ما يمت له بصلة، انطلاقا من أنه دار حرب.

الخطير في هذا التقسيم أيضا هو توظيفه الطبيعي و التلقائي العفوي و اللاشعوري لمجموعة من الثنائيات الضدية التي تدرج منظومة إيجابية طويلة من المفاهيم في خانة دار الإسلام؛ مفاهيم من قبيل النظام، النقاء، الطهر، الخير، الفحولة الخ مقابل منظومة سلبية من المفاهيم التي تندرج في خانة دار الكفر؛ مفاهيم سلبية من قبيل الفوضى، الهجنة، النجاسة، الشر، إلخ. و ليس أدل على ذلك من نظرة رجل الشارع المسلم إلى النصراني أو اليهودي التي هي خير دليل على رسوخ تلك الثنائية.لكن ينبغي التفكير اليوم في العمل بكل السبل و الوسائل على تجنب هذه النظرة المنغلقة للعالم، و التي تقسم العالم على حد قول بن لادن غداة 11 أيلول إلى فسطاطين، فسطاط الإيمان و الخير و فسطاط الكفر الشر.

ينبغي أن يؤكد المسلمون من جديد على الإنسان، و على القيم الإنسانية الكونية التي يزخر بذكرها القرآن، لأن تلك العودة إلى التأكيد على الإنسان و محبته و تكريمه بغض النظر عن عقيدته هي المفتاح إلى نفض الغبار عن ذلك الإرث الحضاري الإسلامي المتنور في التعامل مع الآخر و مع مسألة الاختلاف ككل. فهذا السيد فاريش نور الناشط الحقوقي الماليزي يذهب أبعد من ذلك في تأكيده على أن انتصار الإسلام لا يعني أبدا انتصار المسلمين كما يفهم المسلمون ذلك خطأ، و لكن يعني بالأساس انتصار القيم العالمية التي نادى بها الإسلام من مودة و عدالة و مساواة و غيرها من القيم الكونية الكبرى. و تلك لعمري هي الخطوة الأولى على درب إعادة النظر في علاقة المسلمين مع فهمهم للإسلام أولا و مع فهمهم للآخر و سبل التعامل معه. 

نادر عبد الأمير