عشاق الله

التصوف الإسلامي و المسيحية

التصوف الإسلامي و المسيحية


كثيرة هي الوشائج بين التصوف الإسلامي و المسيحية لدرجة أن الرموز و أساليب التعبد و الطقوس تتداخل أحيانا بشكل مذهل. فالصمت و الخلوة على سبيل المثال من بين أساليب التعبد الأثيرة لدى العديد من المسيحيين عملا بقول السيد المسيح " وأما انت فمتى صلّيت فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصلّ إلى أبيك الذي في الخفاء.فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية". كما أن الكثير من الرموز القوية لدى المسيحيين احتفظت بذات العمق في الأدبيات و الكتابات الصوفية. يكفي دلالة على ذلك رمز الحمل أو الخروف الذي يعتبر أساسيا لدى المسيحيين لكونه يرمز إلى السيد المسيح في موته فداء لبني البشر. و في مثل ذلك يقول الحسين بن منصور الحلاج:

ضحى الحبييب بنفس يوم عيدِهِمِ
و النـاس ضـحـت بـمـثل الشـاء و النـعـمِ
للناس و لي حج إلى سكنـي
تهدى الأضاحي و أهدي مهجتي و دمي

كما يستخدم الحلاج، شهيد الصوفية، رمز الصليب للدلالة على استعداده للموت في سبيل ما يراه هو الحقيقة البادية لقلبه المتوله بالمحبة الإلهية التي وصلت به إلى درجة الغياب الأقصى، حيث يقول:

ألا أخـبـر أحـبـاءي بـأنــــــــي
ركبت البحر و انكسر السفينَهْ
على دين الصليب يكون موتي
و لا البطحا أريـد و لا المـديـنَهْ

و في هذا الصدد أشار الأستاذ الطيب بشير من السودان إلى مدى تشابه طقوس التعبد المسيحية بطقوس الحضرة و الخلوة و المدائح و المواجيد لدى الصوفية. و يلخص ذلك التشابه في أربعة نقاط أساسية:أولا: التعميد و طقوسه المرافقة و رهبة الموقف و هذا يشبه عند المتصوفة {أخذ} الطريقة و البركة إلى حد كبير.
ثانيآ: فكرة القداسة/الأدب و المكانة التي يحظى بها{الشيخ/القسيس}.
ثالثآ:التراتيل الكنسية و المدائح الصوفية و فكرة المواجيد أو التواجد الذي يحظى به من سمع ذلك {الغناء}
رابعآ:فكرة التسامي الروحي {الإستحوال} والإنجذاب، و هو ما عبر عنه النفري ب{عندما تتسع الرؤيا تضيق العبارة}
و لتاكيد شهادته يضيف قائلا: " رأيت نفس {الحالة} تنتاب الذاكر المسيحي في الكنيسة , ذات الدموع و كلمة الموافقة عند الصوفية {نعم} يقولها المريد بلا سؤال كأنه يوافق خاطرة ما بذهنه و يردد المسيحي {إي مان} لموافقة كلمة الرب و قد شاهدت {إنجذابآ} مسيحيآ في ملواكي لا فرق بين حال المسيحي و حال المتصوفة فيه إطلاقآ."

لذلك لا غرو في أن الكثير من الدارسين أمثال لويس ماسينيون و قبله إدوارد فيتجرالد قد وقفوا على مدى أهمية التراث الصوفي الإسلامي في الاضطلاع ببناء علاقة تفاعل و حوار و تلاقح مع الفكر المسيحي، من هذا المنطلق جاء تخصيص باب رحلة حياة هذا الأسبوع للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي. و كذا اختيارنا لقصيدة "إلى الشاطئ المجهول" للمفكر الإسلامي سيد قطب لما تحتويه من لطائف روحية ذات نفس قدسي عميق يرتقي إلى مستويات الرؤيا الصوفية في أبهى تجلياتها.

نادر عبد الأمير