عشاق الله

حوار الأديان و ضرورة تجاوز عقلية الجدل و المناظرة

 

الحوار و ضرورة تجاوز عقلية الجدل و المناظرة

 

يمكن لأي دارس أو متأمل أن يلاحظ نجاح الفكر المسيحي في الاضطلاع بتأسيس خطاب لاهوتي متماسك عن الإسلام، و قد أوجد لهذه الغاية مؤسسات معرفية همها تتبع الفكر الإسلامي و رصد مساراته الروحانية و المعرفية و التاريخية و تقاطعه مع ثقافات و روحانيات الشعوب الأخرى قديما و حديثا. و هو ما جعل الغرب المسيحي متفوقا في رصد العديد من مظاهر الحضارة الإسلامية، بل و سباقا في الكشف عن مواطن القوة و التفوق داخلها. يكفي أن الكثير من المؤلفات  الإسلامية ذات القيمة العالية قد أزاح الغبار عنها دارسون مسيحيون.   هذا طبعا لا ينفي و جود مواقف مختلفة تطبع هذا الاهتمام المعرفي بالإسلام بدءا من النظرة الأحادية المتسمة بالعداء للإسلام، إلى النظرة الإيجابية المنفتحة بمحبة على حضارة و روحانية الإسلام، مرورا بالمواقف المنهجية التي تتوخى التعامل العلمي الموضوعي مع الظاهرة الدينية بشكل عام. 

لكن اللافت للانتباه هو أن هذا الاهتمام المسيحي المنهجي بالإسلام لم يواكبه اهتمام إسلامي منهجي بالمسيحية. فأغلب الدراسات الإسلامية للفكر المسيحي هي في الأساس ثمرة مجهودات شخصية لأفراد يدخل الفكر المسيحي ضمن دائرة اهتماماتهم الفكرية. كما أن الكثير من المؤلفات التي تتناول المسيحية و معتقداتها هي مؤلفات ذات طابع تمجيدي استعلائي للأنا من جهة، وصدامي رافض و تحقيري للآخر من جهة أخرى. و هي بذلك مؤلفات إنشائية تفتقر للسمة العلمية التي طبعت الفكر الإسلامي في فترة ازدهاره مع مفكرين مثل الشهرستاني (ت 548 هـ) في الملل والنحل, والأشعري (ت 324 هـ), والبيروني (ت 1048م) و غيرهم. فلا وجود في البلدان الإسلامية لمؤسسات و مراكز بحث علمية متخصصة في الفكر المسيحي بمختلف مشاربه. كما لا نجد مؤسسات و مراكز بحث تهتم بسبر و رصد العلاقة بين الإسلام و المسيحية و تعمل بشكل منهجي على تشجيع الحوار الديني من منظور حداثي تنويري.

إن المسلمين مدعوون اليوم إلى رفع التحدي في التعامل مع الفكر المسيحي عبر محاولة تمثل هذا الفكر في تناغمه مع الفكر الإسلامي و مع الحداثة في آن، أي تجاوز ما سماه الأستاذ عبد المجيد الشرفي  "عقلية الجدل و المناظرة" التي لم يعد لها مبرر اليوم، و من ثم تطوير "خطاب ديني في شأن المسيحية متطور ومساوق لتقدم المعرفة أو على الأقل يرتقي في مستوى الوعي المعرفي الى الخلفيات النظرية التي استند اليها الرواد قديماً مثل الشهرستاني والبيروني" فما الفائدة من أعمال تدرس المسيحية ولكن لا تثير الأسئلة الملحة ولا تقف عند التحولات العميقة والتحديات التي تواجه الأديان عموماً؟

  يطرح الأستاذ حسن القرواشي من جامعة تونس فكرة عميقة جدا في تطوير حوار يتسم بالتكافؤ و المعرفة و احترام الاختلاف بين الإسلام و المسيحية حين يقول أن "الأسلم ذرائعياً ومعرفياً هو صون القرآن الكريم وجعل غير المسيحي ينظر اليه بعين الإجلال مثلما ينظر اليه المسلمون, ودراسة المسيحية من خلال ما يؤمن به المسيحيون أنفسهم لا من خلال ما نعتقد انه الحق. و لذلك لا مفرّ من تجاوز القراءة الحرفية للقرآن أثناء التصدي لدراسة العقائد المسيحية." هكذا يمكننا تجاوز ذلك الإرث الجدلي العقيم القادم من القرن العاشر الميلادي و الذي عمل منذ ذلك التاريخ على تعميق الهوة بين الإسلام و المسيحية، حتى انتهت العلاقة اليوم إلى ما انتهت إليه من تنافر و كراهية و إقصاء.

 

نادر عبد الأمير