عشاق الله

سلوك و سلوك

 

 

سلوك و سلوك

يحكي الأستاذ أحمد صبحي منصور عن رجل أمريكي يدعى جون هنري ووتن حصل خلال مساره الدراسي على أرفع الدرجات العلمية، و تدرج بنجاح في السلك الدبلوماسي إلى أن انتهى به المطاف إطارا في السفارة الامريكية بالقاهرة. و هناك في مقهى احد الفنادق القريبة من السفارة الأمريكية حيث كان يتناول وجباته السريعة تعرف على فتاة مصرية مسلمة اسمها سهام تعمل نادلة بالمقهى. أعجب جون هنري بسهام و قرر الزواج منها. و هكذا أعلن إسلامه حتى يتسنى له ذلك. فتم الزواج الشرعي الإسلامي و الأمريكي الرسمي بين الزوجين اللذين عادا بعد ذلك إلى أمريكا و عاشا حياة كلها حب و إخلاص و تفان، و رزقا بنتين جميلتين. و خلال ذلك، و بفضل الخصال العظيمة لزوجته المسلمة اقتنع جون فعلا بالإسلام، و تحول من مسلم شكلي إلى مسلم صادق الإيمان من غير أن تتأثر علاقته مع عائلته المسيحية و محيطه الأمريكي قيد أنملة.

ليس بيت القصيد هنا هو احترام حرية جون هنري في اختياره العقدي من طرف أسرته و محيطه المسيحي. فهذه المسألة لم يعد يتناقش فيها اثنان. بيت القصيد هو أن جون هنري أصيب بمرض السرطان الذي لم يمهله طويلا، فأحبت زوجته أن تخرج جنازته كأي مسلم من المسجد القريب للمنزل. لكن الشيوخ رفضوا ذلك معترضين على حضور أهل و أصدقاء جون هنري المسيحيين الجنازة، كما رفضوا إقامة الجنازة في المستشفى أو البيت. فلم تجد من سبيل سوى إقامة الجنازة في أقرب كنيسة. ذلك أن هذه الأخيرة قبلت إقامة جنازة إسلامية بكل المقاييس داخلها. لكن الزوجة المسلمة أصرت قبل ذلك على العثور على شيخ مسلم يقيم الجنازة و يصلي على الزوج. فكان أن اهتدت إلى الأستاذ أحمد صبحي منصور الذي أقام الجنازة و صلى على الفقيد في الكنيسة.

يخبرنا الأستاذ أحمد صبحي منصور عن دموعه التي انهمرت حين عرضوا عليه في الكنيسة أن يغطوا منظر الصليب إذا كان يضايقه. انهمرت دموعه أيضا و هو يسمع تسجيلات القرآن تهز أرجاء الكنيسة. انهمرت دموعه و هو يتذكر رفض المسلمين أن يقيموا جنازة لذلك الأمريكي المسلم اعتراضا على حضور أهله المسيحيين.

الأستاذ أحمد صبحي منصور ليس نصرانيا، بل هو مسلم عميق و كبير يدافع عن إسلام نقي متسامح متفاعل يشع بين ثنايا العديد من آيات القرآن الكريم كالآية 13 من سورة الحجرات التي تقول: "يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير". من الغرابة أننا لو قارنا سلوك المسلمين في رفضهم إقامة صلاة الجنازة في المسجد على جون هنري المسلم و سلوك المسيحيين الذين سمحوا بإقامة جنازة إسلامية في الكنيسة لوجدنا هؤلاء أقرب إلى روح الآية أعلاه. هذا لا يعني انعدام وجود مسلمين يتحلون حقا بروح المحبة و التسامح تلك، فهؤلاء المسلمون البسطاء الحقيقيون المحبون موجودون بكثرة أيضا، لكن صوتهم للأسف بات يغطي عليه زعيق شيوخ الوعيد، و تلجمه آلة التهديد. فإلى متى؟

نادر عبد الأمير