عشاق الله

لا إكراه في الدين

 

لا إكراه في الدين

 

لا زلنا نتتبع قصة الأفغاني عبد الرحمن الذي تنصر، أي آمن بالسيد المسيح مخلِّصا، و الذي سجن بسبب ذلك، و هو الآن يواجه الحكم بالموت بناء على الشريعة الإسلامية إذا لم يتب عن ردته. و قد أثارت المسألة زوبعة من ردود الفعل بين المسلمين و المسيحيين خصوصا في الغرب، بل و بين المسلمين أنفسهم. و قد فوجئت بالعدد الكبير من المسلمين الذين يؤيدون موت عبد الرحمن في حالة ثباته على إيمانه المسيحي. لكن مع احترامنا لرأي القائلين بموت الرجل ألا تطرح هذه المسألة سؤالا عريضا حول حدود حرية الفكر و الروح داخل مجتمع ما، و مدى امتلاك الفرد لناصية مصيره الروحي. ألا نقرا في سورة البقرة آية جهيرة بالحرية العقدية هي الآية 256 التي تقول: "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم". فمن باب ما جاء في تفسير الطبري لأسباب نزول هذه الآية قوله: " نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْحُصَيْن : كَانَ لَهُ ابْنَانِ , فَقَدِمَ تُجَّار مِنْ الشَّام إلَى الْمَدِينَة يَحْمِلُونَ الزَّيْت ; فَلَمَّا بَاعُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا أَتَاهُمْ ابْنَا أَبِي الْحُصَيْن , فَدَعَوْهُمَا إلَى النَّصْرَانِيَّة فَتَنَصَّرَا , فَرَجَعَا إلَى الشَّام مَعَهُمْ . فَأَتَى أَبُوهُمَا إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إنْ ابْنَيَّ تَنَصَّرَا وَخَرَجَا , فَاطْلُبْهُمَا ؟ فَقَالَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ }" (تفسير الطبري)

إن عبد الرحمن لم يرتكب أية جريمة يستحق عليها السجن و العقاب، لأنه لم يؤذ بإيمانه أحدا بقدر ما عرض هو نفسه للأذى. و لا أظن أن مواصلة حبسه، أو إعدامه ستخدم الإسلام أو صورة المسلمين في شيء، بل سترخي عليها بالمزيد من الظلال. في نفس الآن أظن أن عبد الرحمن إن كان مؤمنا حقيقيا بالمسيح، فلن يزيده السجن إلا تشبثا بإيمانه، لأن الاضطهاد بسبب الإيمان بالسيد المسيح مسألة تاريخية و مبدئية في الإيمان المسيحي. و هو أمر تؤكده الآيات التالية:

-"وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى فى المسيح يسوع يضطهدون" (2تيموثاوس 3 :12) .
-"طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. أفرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات فأنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم" (متى 5: 10-12).
-"لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله" (فيلبى 29:1) ."إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم" (1بطرس 4 :14) .
-"إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا" (2 تيموثاوس 2 :12) ، "فإني احسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رومية 8 :18) ، "الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيراً بتجارب متنوعة. لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح" (1بطرس1 :6-7) ، "لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضاً منكم في السجن لكي تجربوا ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2 :10).

و من بين التعاليق الإسلامية المتزنة على قضية الافغاني عبد الرحمن هذا التعليق الذي كتبه في موقع العربية شخص اسمه أبو عباس. أورده هنا لعمقه و عقلانيته و روح المحبة المنبعثة منه. يقول أبو عباس:

"في اعتقادي ان الردة شئ والتنصر شئ آخر، الردة هي ان تكون غير مسلم أصلا ثم تسلم ثم ترتد، أما التنصر او الخروج عن الدين لإعتناق دين آخر فهذا ليس من الردة في شئ لأنك لم ترتد الى عقيدة أو ديانة كنت قد هجرتها ولكنك في الحقيقة ولدتك امك على الفطرة فأبواك قد سلماك `جعلوك مسلما` أو نصراك أو هوداك كما ورد في معنى الحديث الشريف. إذا هذا الأفغاني ليس مرتدا وإن خرج عن دينه وغيره الى دين غيره فلا يطبق في حقه ما ورد في الردة، في اعتقادي ايضا أن ما ورد في القرآن الكريم من آيات عديدة منها `لا إكراه في ادين قد تبين الرشد من الغي` ومعنى الآية هنا ليس لا يقتصر على من كان غير مسلم فقط ولكن حتى على المسلم لأن أجره ومقاضاته من عند الله يوم القيامة، ومن كفر فإن الله غني . . ثم هل يستحق شخص واحد كل هذه الضجة والعناء وفتح منافذ لتدخلات غبية من دول اجنبية، والله ان الإسلام غني عنه وقوته يستمدها من تعاليمه الحنيفة وصدق الدعوة وليس من اسلام شخص او كفر آخر، أقول للمسلمين شوخهم قبل عامتهم لماذا هذا التشنج الذي لا يعني شئ الا ان ينعكس علينا امة الإسلام ويظهرنا بالتعصب والتفرقة. عاشت امم كثيرة معتنقة ديانات مختلفة منها الصابئة وقد ضمن الإسلام والأنظمة الإسلامية لهم كامل حقوقهم المدنية وهذا بفضل عدل الإسلام فلماذا نشذ عن السلف ونظهر وكأننا قد اتينا بإسلام مختلف، لقد عاش اليهود أفضل عصورهم على الإطلاق في العصر الإسلامي في الإندلس وفي فترة كانت فيها العلوم في أرقى مستوياتها حين ذاك، كما عاشوا في مصر وفي ليبيا وفي المغرب وتونس ما زالوا يعيشون كما عاشوا مع رسول الله في المدينة المنورة وفي الجزيرة الى ان اجلاهم بأسباب موضوعية وليس تعسفا، كما عاش الصابئة في العراق وما زالوا كما عاش المسيحيون وما زالوا أخوة لنا في كل البقاع الإسلامية يؤدون واجباتهم ويدافعون عن الأرض والعرض بكل ما أوتوا من قوة مثلهم مثل المسلمين. أتمنى ما الله العلي القدير الهداية وترك التعصب والنظر الى مافي الإسلام من فسح يمكن من خلالها التبسيط والسير قدما بدل من الجمود في الفكر والتصرف، الإسلام عرف بقدرته على مواكبة التطورات والتأقلم مع روح العصر وهذا معنى انه دين لكل زمان ومكان لا ان نجمد الحياة ونقف امام التطور ونعيش في عصر بأجسامنا بينما عقولنا وتفكيرنا لا يتخطى العصور الماضية والقرون البعيدة الفائتة فنناقض انفسنا ونتناقض مع الآخرين وروح العصر"

فتحية لأبي عباس على موقفه السامي الذي بودنا لو يصبح موقف كل أخ مسلم مؤمن بالكلمة الطيبة، و الجوار الحسن، و مسؤولية الفرد أمام خالقه.

نادر عبد الأمير