عبيد الله بن جحش
عبيد الله بن جحش هو رجل من مكة رفض وثنية الجاهلية، و كره آلهة قريش، فعاش حياته يبحث عن الحقيقة، و ينشد معرفة الإله الحق. كان ذلك قبل الإسلام. لم يكن في رحلة البحث وحده، بل كان معه آخرون لم يستسيغوا السجود للأوثان، فقد كان هناك طائفة من الناس عرفت بالأحناف أو الحنفاء نذكر منهم على الخصوص: ورقة بن نوفل، عثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو. لم يغتر هذا الشخص بمكانته في قبيلته، بل فضل على ذلك الجواب على الأسئلة الروحية العميقة التي كانت تعتمل في داخله. فظل يبحث عن النور الحق حتى ظهر محمد رسول الإسلام، فآمن برسالته وتعرض مع المسلمين الأولين للتنكيل و الاضطهاد من طرف طغاة قريش. فكان أن أمرهم الرسول بالهجرة إلى أرض الحبشة (إثيوبيا). هكذا، هاجر عبيد الله المسلم مع زوجته المسلمة أم حبيبة إلى الحبشة. وبالمناسبة زوجته أم حبيبة أو رملة هي بنت أبو سفيان وجيه قريش وعدو محمد اللدود. قال محمد للخارجين لأرض الحبشة: «لو خرجتم الى أرض الحبشة، فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه». وصل الإثنان إلى إثيوبيا، وهي بلاد مسيحية كان العرب يسمون ملكها بالنجاشي. دخلت المسيحية إلى أرض الحبشة بحسب التقليد المسيحي على يد المبشربن المصريين، وظلت حتى أمد قريب تتبع مصر دينياً. و العهد الجديدا يذكر لنا قصة إيمان الوزير الحبشي و اعتماده على يد فيلبس. استقبلت الحبشة المسيحية المضطهدين ووفرت لهم الملجأ. ولكن قريش لم تتركهم فأرسلت ورائهم عمرو بن العاص كي يعيدهم. حاول بن العاص أن يتحايل على الملك الحبشي بالتقرب له بهدايا ولكن هذا لم ينفع. لم يجد داهية العرب غير اتهام المسلمين بأنهم لا يحترمون مريم. تحقق ملك الحبشة من ضيوفه اللاجئين في هذا الشأن، فأجابه جعفر بن أبي طالب بجزء من سورة مريم. و بالطبع لم يجد ملك الحبشة أي اختلاف فيما يؤمن به وما سرده عليه جعفر. فالسورة تشابه الأناجيل، إذ تبتدئ بذكر قصة ميلاد يحيى وحبل مريم. و لا تحكي أية اختلافات عقدية بين الإسلام والمسيحية. في النهاية قرر الملك أن يبقي ضيوفه عنده. ولكن يبدو أن عبيد الله لم يكن راضياً تماماً عن إيمانه الجديد، مرة أخرى بدأ يبحث عن الحق. وهذه المرة وجده ومات عليه. يروي لنا ابن هشام في سيرته: وأما عبيد الله بن جحش ، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هنالك نصرانيا. نعم صارعبيد الله مسيحيا،ً آمن بعيسى المسيح كمخلص له، ومات على هذا الإيمان. لم يكن هذا فقط ما فعله عبيد الله بل إنه حمل رسالة المسيح الى رفاقه المسلمين، فبهذا صار أول متنصر وأول مبشر الى أمة الإسلام. هذا ما يسرده ابن هشام عن تبشير عبيد الله رفاقه المسلمين:
كان عبيد الله بن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هنالك من أرض الحبشة، فيقول فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد . وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ لينظر. وقوله فقح فتح عينيه.
ظل عبيد الله على أمره حتى مات في أرض الحبشة على اسم المسيح. و أرسل محمد الى ملك الأحباش يطلب يد أم حبيبة زوجة عبيد الله التي لم تصر مسيحية. وبالفعل تزوج محمد منها. وصارت أم حبيبة واحدة من أمهات المؤمنين.
يروي لنا أبن هشام في سيرته هذه الحادثة:
قال ابن إسحاق : وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فخطبها عليه النجاشي ، فزوجه إياها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مئة دينار.