عشاق الله

المسيحية والصوفية الإسلامية

المسيحية والصوفية الإسلامية

  لطفي حداد

 

الصوفية:

استخدم هذا المصطلح للمرة الأولى في التاريخ الإسلامي في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة وقد لقب بالمتصوف كل من جابر بن حيان، وأبي هاشم البغدادي.

يقول ابن تيمية في الصوفيين: "الصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاصٍ لربّه".

أتت كلمة الصوفية من عدة احتمالات: الأول: صفاء النفس، وصفاء القلب، والثاني: من فكرة الصف الأول بين يدي الله حيث يرتفعون بقلوبهم إليه، والثالث: من "الصُّفَّة" وهي فناء ملحق بمسجد الرسول في المدينة المنورة، حيث سمح الرسول لفقراء الصحابة أن يسكنوا فيه ويعيشوا مما يقدمه لهم المسلمون من صدقات، وكانوا يشغلون وقتهم بالصلاة والدعوة للجهاد وقال عنهم الرسول: "فرسان النهار رهبان الليل". والاحتمال الرابع هو اشتقاق الاسم من الصوف الذي رغّب الصوفيون أتباعهم بارتدائه صيفاً وشتاءً وهم يرون أن الغنم رمز تفاؤل في التراث الشعبي مستمد من قصة إبراهيم وفدائه بذبح عظيم هو كبش من الغنم، ومن أن الكثير من الأنبياء قد رعى الغنم.

والرأي الأخير هو ارتداء الصوف عند هؤلاء المتعبدين صيفاً وشتاءً من أجل الزهد والتقشف والموت عن الملذات الجسدية.

*  *  *

ازدهرت حركة التصوف في بلاد الفارس خاصة ربما لقربها من الهند وتأثرها بنزعة الزهد عند فقراء الهندوس، وكذلك في جنديسابور لقربها من المسيحية والأفلاطونية الجديدة التي وضعها فلاسفة اليونان بعد فرارهم من أثينا إلى فارس عام 529. لكن هذا التأثير بقي بسيطاً وسطحياً، وكما يبيّن لويس ماسينيون فإن الإسلام نضج روحياً من تلقاء نفسه وأعطى هذه النزعة التقشفية في سبيل البحث عن الذات الإلهية.

*  *  *

الحلولية:

يقصد بها حلول الله في أشخاص معينين فيصبح الشخص ذا حقيقة لاهوتية لا تدرك بالحواس ولا تعرف بالرأي ولا بالقياس ويصبح الجسد حجاباً لهذا اللاهوت الذي حلّ فيه.

وهناك الاتحاد الذي يعني أن الخالق والمخلوق يصبحان واحداً فلا اتحاد بين طبيعتين بل وحدة شاملة، أي وحدة الوجود، ومن نماذج الحلولية القول المنسوب إلى الحلاج:

 

أنت من أهوى ومن أهوى أنا

 

نحن روحان حللنا بدنا
 

فإذا أبصرتني أبصرته

 

وإذا أبصرته أبصرتنا

أما بالنسبة محيي الدين بن عربي فالخالق عنده قد حل في كل مخلوق وظهر من خلاله ويرى أن الناس كلهم يعبدون الإله الواحد المتجلي في صورهم وصور جميع المعبودات، يقول:

 

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة

 

فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبانِ

وبيت لأوثان وكعبة طائف

 

وألواح توراةٍ ومصحف قرآنِ

أدين بدين الحب أنّى توجهت

 

ركائبه فالحب ديني وإيماني

 

الأدب الصوفي:

وهو نوعان أدب القول أي الشعر والنثر، وأدب السلوك أي أدب التربية والأخلاق والخصال الخيرة والمعاملة والصحبة. يشتمل أدب القول على أدب الحب الإلهي والفناء في الذات الإلهية، وأدب الدعاء والمناجاة والاستغاثة، وأدب الوعظ والإرشاد والنصح.

*  *  *

في المفهوم الإسلامي هناك توتر وصعوبة بين ميل الصوفي للاعتقاد أنه أدرك معرفة فوق المعرفة العادية لله، وبين إيمان بقية المسلمين بأن القرآن والحديث قد حدّدا وحدهما كيف تعاش الحياة ويُعبد الله. وبالنسبة للصوفي فالشريعة مرحلة على الطريق نحو المعرفة وإن مجرد الطاعة لم تعد كافية وإنما الإخلاص في النية.. وحين تتم الرؤيا الروحية في لحظة أبدية ويشعر الإنسان الزمني بحقيقة الله الخارجة عن الزمن، يحدث تحول جذري في قلب المتصوف يدفعه للعودة إلى المجتمع بقلب جديد وعينين جديدتين وانسجام كلي مع الشريعة والنبوة.

*  *  *

بلغ التصوف الإسلامي ذروته على أيدي رجال سبقوا الحلاج مثل ذي النون، والمحاسبي، والجنيد، وفي الفترة الواقعة بين عامي 750 و900م ارتقى التدين التقشفي إلى الحب الإلهي المتوهج والتوق إلى الذات الإلهية وبلغ التدين الإسلامي قمة لم يستطع أن يتجاوزها ويتفوق عليها كما لم يستطع أن يحافظ عليها لاحقاً.

ورغم تأثر الصوفية باللاهوت المسيحي بشكل جزئي إلا أن الزهد والتبتل (الانقطاع إلى الصلاة) والحياة الفقيرة (أي ما يميز الحياة الرهبانية المسيحية) بقيت بعيدة عن الإسلام وغريبة عنه.

وتاريخياً نحن نعلم أنه قد أطلق على مالك بن دينار اسم "راهب العرب" وعلى أبي بكر ابن عبد الرحمن اسم "راهب قريش".

لكن بشكل عام كان مصطلح الراهب يطلق على الزاهد المسيحي، سواء بمعنى محبب أو بمعنى مستهجن، كظاهرة غريبة عن الإسلام.

*  *  *

إن المسيح مثال أعلى للمتصوفين كما نرى في كتاباتهم الكثيرة وقد حقق أعلى درجات الزهد في الحياة الدنيا، ويلتقي بذلك المسيحيون والمسلمون في مفهوم التعبد الصوفي الذي هو بشكل أو بآخر اتباع طريق المسيح.

وهناك العشرات بل المئات من المقولات والقصص والأخبار رواها المسلمون عن المسيح بطريقتهم مظهرين فضائله وأخلاقه، وقد جمع الكثير منها كتاب "الإنجيل برواية المسلمين" تأليف طريف الخالدي (عن دار النهار 2003) ويرى المسلمون المسيح صارماً في زهده مثله في ذلك مثل يحيى بن زكريا، إلا أنه يختلف عنه من حيث أن يحيى كان جهماً نادر البشاشة، متشدداً في جديته، في حين كان المسيح فرحاً أليفاً رقيق الجانب.

وهناك تصورات كثيرة تختلف عن حقيقة المسيح كما ترويها الأناجيل كما أن هناك قصصاً غرائبية وخوارق عجيبة لا تتماشى مع الجو العام للأناجيل. ويبدو أن الروايات التي كان يسردها أشخاص مثل كعب الأحبار (وهو من أفضل العارفين بالتوراة والإنجيل في الجيل الأول بعد النبي محمد) كانت تستند إلى حد بعيد على خياله الشخصي وأسلوبه القصصي فغايته لم تكن ذكر حقائق تاريخية، بل أدب تعبدي أسطوري الطابع إسلامي المضمون مع صلات ضعيفة ببعض الروايات المسيحية غير المسلم بها.

*  *  *

يعرّف (أبو سعيد) الصوفي الكبير الذي ولد عام 967م التصوف الإسلامي بقوله:

"التصوف ترك النافل. ولا شيء بنافل أكثر من "أناك". إنك ما اشتغلت بذاتك إلا وبعدت عن الله. وحيثما توجد أناك فإن كل شيء جحيم. وحيثما لا توجد أناك، فكل شيء نعيم". وبشكل مشابه يرى "العطار" ، الشاعر الفارسي في القرن الثاني عشر في قصيدة رائعة اسمها "منطق الطير"، أن التخلي عن الأنا هو سر الحياة الأبدية وأن حب الأنا هو أعظم عائق في وجه الحب.

ففي هذه الرحلة المجازية التي تعبر عن سفر الروح إلى الله، تحترق الطيور جسداً وروحاً و تصبح في آخر طيرانها رماداً، وعندما تعطي كل شيء يعاد إليها كل شيء. وتتأمل الطيور وجه الله في انعكاس عيونها الناظرة إلى بحيرة في جوف الجبل، ولا يكون في ذلك سواها كلها لأنها تؤلف معاً كلاً واحداً بعد أن تخلت عن تعلقها بذاتها.

ومن المتصوفين الكبار الشيرازي وهو فارسي من القرن الحادي عشر.. يقول في كتابه (ياسمين الأحبة): في حب المحب والمحبوب القوة نفسها التي تجذب الإنسان إلى الحقيقة الإلهية، الحقيقة العليا. وإن حب الجمال يتيح تأمل الوجود السرمد بعين الله ذاته. وليس هناك سوى حب واحد. ونحن نتعلم في كتاب الحب البشري كيف نقرأ قاعدة حب الله".

*  *  *

  يرتكز الصوفي في محاولة وصوله إلى الله على تطهير نفسه بالصلاة، والتجرد الكامل من الشهوات، والطاعة، والتأمل حتى يصل إلى اتحاده الصوفي بالله. ويعتقد الصوفي أنه بعد وصوله إلى تلك المرتبة، أي بعد فناء نفسه تماماً في ذات الله، يصبح فوق القوانين والشريعة وحتى الدين وشعائره وفرائضه.

وفي الوقت نفسه يبقى المتصوفون يعيشون في الدنيا كسائر الناس الحياة اليومية العادية، يقول أبو سعيد:

"إن الولي الحقيقي يسير بين الناس، ويأكل وينام معهم، ويشتري ويبيع في الأسواق، ويتزوج، ويشترك مع الناس في مجالسهم، ولا ينسى الله لحظة واحدة".

*  *  *

بدأت مجالس الذكر منذ القرن العاشر، وظهرت أفكار الزهد واعتزال العالم وتعذيب النفس وكذلك ظهرت الشطحات الصوفية وغرائب الصوفيين.

وقد وجدت أقلية متصوفة تدعو إلى البساطة والحياة المتقشفة كبساطة أبي بكر وعمر بن الخطاب، وتندد بترف الخلفاء والوزراء.

و من المتصوفين المعروفين أذكر:

* رابعة العدوية (717 – 801): كانت في شبابها جارية اشتريت بالمال ثم أعتقها سيدها وأبت أن تتزوج، وعاشت عيشة الزهد وفعل الخير ومن صلواتها الرائعة:

"إلهي! كل ما قدرته لي من خير في هذه الدنيا أعطيه لأعدائك، وكل ما قدرته لي في الجنة أمنحه لأصدقائك، لأني لا أسعى إلا إليك وحدك".

* أبو سعيد بن أبي الخير (967 – 1049م): وكان يعلم أن رحمة الله، لا أعمال الإنسان الصالحة، هي التي تدخله الجنة. ويقول إن الله يفتح للإنسان باباً بعد باب وأولها باب التوبة، ثم يأتي باب اليقين ثم باب الحب ثم باب التوحيد، حيث تتساقط الرغبات كلياً ويدرك الصوفي أن الله كل شيء وأن كل شيء منه وإليه.

* أبو سعيد الخرّاز: يقول: مثل النفس مثل ماء واقف طاهر صاف، فإن حرّكته ظهر ما تحته من الحمأة، وكذلك النفس تظهر عند المحن والفاقة والمخافة، ومن لم يعرف ما في نفسه، كيف يعرف ربّه؟!

*  *  *

*إخوان الصفاء: هم جماعة سرية باطنية دينية فلسفية وهم أقرب إلى الفلسفة منهم إلى الدين، ونزعتهم الفلسفية خليط من الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية، وقد أوّلوا القرآن تأويلاً رمزياً لكي يتمشى مع تصورهم الروحي للأديان عامة. وهم يرون أن الأديان جميعاً يجب أن تتفق مع الفلسفة والحكمة، وقد صنفوا حوالي خمسين رسالة في مفاهيم الحكمة آخذين من كل مذهب فلسفي بطرف.

ومحور الفلسفة لديهم هو فكرة الأصل السماوي للنفوس وعودتها إلى الله ويرون أن العالم صدر عن الله كما يصدر الكلام عن المتكلم والضوء عن الشمس، وليست النفوس الفردية سوى أجزاء من النفس الكلية تعود إليها مطهرة بعد الموت كما ترجع النفس الكلية إلى الله ثانية ليوم المعاد.

ابن عربي: يُعتبر نبي الصوفية الوجودية.

نقل التصوف من الشطح إلى العلم وسمّاه العلم اللدنّي أو العلم الإلهي، وبهذا يشترك مع ابن رشد في المنطلق الأفلاطوني في مفهوم كلية الوجود، لكن ابن رشد اعتمد "العقل" في حين اعتمد ابن عربي "القلب".

يعتقد ابن عربي أن كل إنسان يستطيع أن يكون مؤمناً وأن كل مؤمن يستطيع أن يكون "سميَّ الله"، مشجعاً بذلك كل مخلوق للارتقاء إلى مستوى الخالق ومعيداً روح الدين إلى بساطتها الأولى.

يقول ابن عربي: لا يغتّر الإنسان بكونه روح العالم فيقول "أنا أشرف منه"، أخوك العالم والإنسان توأمان.

*  *  *

درس المستشرق الإسباني بلاثيوس ابن عربي وكتب عنه كتاباً ضخماً بعنوان "ابن عربي، حياته ومذهبه" يقول فيه: إذا كان تصوّفه يعيبه أحياناً الغموض فإن زهده في المقابل، من حيث الشكل أو الأسلوب، شعبي وصريح ومفهوم لعامة الناس. وهذا التباين يفسر أيضاً تناقضاً ظاهرياً في موقف ابن عربي: فمن ناحية رأينا أن مذهبه يقوم على أساس الشك الجذري التام، عندما ينكر على العقل المنطقي كل قدرة على البحث عن الحقيقة الفلسفية والدينية، ملتزماً بالإشراق الصوفي كطريق وحيد إلى ذلك، ومن ناحية أخرى فإن مذهبه الروحي مصنوع من أكثر نظريات التصوف الإسكندري الأفلوطيني تجريداً، و يقول بلاثيوس:

"ومع أن ابن عربي جامع مذاهب مختلفة في ما بعد الطبيعة، لكنه ذو نزعة واحدة في مذهبه الروحي، سواء في الزهد أو في التصوف، يعود إلى الإسلام، وإن كان ثمة أصل مسيحي بعيد جداً.

وابن عربي، كما أي مسلم، يعتبر أن الأديان السماوية الثلاثة تؤلف في جوهرها ديناً واحداً يتكيف ويتطور عَرضاً مع الظروف الوقتية الطارئة للعصور، في الأوامر السرمدية للعناية الإلهية. والإسلام، وهو ختام مراحل هذا التطور الطويل، يلخص ويستوعب كل القواعد المنزلة تنزيلاً صحيحاً في المسيحية واليهودية... ومن هنا يستنتج أن النصارى يعتقدون في عقيدة التثليث في الأقانيم ويستبعدون التثليث في الآلهة. ولهذا ينبغي ألا يوصموا بالشرك، لأنهم ينتظرون الخلاص من الرحمة الإلهية الواحدة. والسبب الميتافيزيقي لهذا الرأي الذي قال به مستمد من فكرة المدرسة الفلسفية الفيثاغورية التي تعتبر أن العدد ثلاثة هو أصل الأعداد الفردية، لأن العدد "واحد" ليس وحده بذاته عدداً، ولا يُفسّر الكثرة في العالم، فمن الواحد لا يصدر إلا الواحد، وإن أبسط الأعداد في داخل الكثرة هو الثلاثة.

أما عن العقيدة الثانية في المسيحية وهي التجسيد، فإن ابن عربي لتأثر مذهبه بالاتحاد الأقنومي في العقيدة المسيحية، في إطار الصوفية، يردم الهوة الواسعة التي كانت مفتوحة في البداية بين الإسلام والمسيحية، الهوة التي راحت تتضاءل ببطء عند الصوفية، حتى بلغت أوج تضاؤلها في موقف ابن عربي.

وموقف العطف والتقارب مع العقيدة المسيحية هو في نظري نتيجة التأثير الشديد والواسع الذي أحدثته الرهبانية المسيحية في التصوف الإسلامي. وهذا ما جعل ابن عربي يعترف مصرّحاً بأن مرشديه في الطريق الروحي هم الهداة الثلاثة: موسى وعيسى ومحمد. وإذا كان محمد هو خاتم النبوة، فإن عيسى هو ختم الولاية على الإطلاق، ونموذج في الكمال، لأن روحه خلقها الله مباشرة مثل روح آدم، وكانت وليّة منذ مولده، وكاملة بالفطرة بفضل الروح القدس، وليس كما شأن سائر الأولياء.

الحياة الرهبانية

نشأت في مصر في النصف الثاني من القرن الثالث إثر الاضطهاد ضد المسيحية أيام دافيوس، فاندفع الكثير من المسيحيين إلى الصحراء ليعيشوا حياة التقشف والنسك، و يعتبر انطونيوس الكبير (251-356) الذي انسحب من الحياة الدنيوية حوالي عام 270 م، وانصرف إلى التنسك في منطقة بني سويف شرقي النيل، يعتبر أب الرهبان. و قد تجمع حوله عدد من الأتباع و أمضوا حياتهم الروحية على نمطه. بعدها أنشأ باخوميوس الكبير (290-346م) عدداً من الأديرة في مصر العليا، و بدأ بوضع القوانين الرهبانية، وقد تبع نمط حياته حوالي 22000 راهباً كانوا يعيشون الصلاة و الفقر والطاعة والعمل (كنسخ المخطوطات والأعمال الزراعية). ومن الرهبان السوريين المعروفين نذكر أفرام السرياني (القرن الرابع) ومار مارون المتوفى في عام 410 م (تنسك قرب حلب في جبل سمعان) ، وسمعان العامودي (الذي أمضى حياته على عمود حجري متنسكاً).

  وانتقلت الحياة الرهبانية إلى خارج مصر وسوريا وفلسطين فوصلت اليونان وتأسس دير جبل آثوس في القرن التاسع ليصبح أهم مركز رهباني في أوربا الشرقية.  وفي الغرب تأسس عدد من الأديرة على يد مرتينوس و أمبرسيوس في القرن الرابع. وأدخل القديس باتريك الحياة الرهبانية اإلى إرلندا في القرن الخامس، وأسس بندكتس الرهبنة البندكتية في القرن السادس ثم تجددت الحياة الرهبانية في القرن الثالث عشر على أيدي الفرنسسكان والدومنيكان، و أثناء الإصلاح البروتستنتي في القرن السادس عشر نشأت الرهبنة اليسوعية. يرى الكثيرون أن جوهر المسيحية وروحانيتها تتمثلان في مبادئ الرهبنة المسيحية وهي الفقر (التقشف)، و العفة (الاختيار الوحيد و النهائي)، والطاعة (لله وحده دون الميول البشرية) ، وقد عاشت الصوفية الإسلامية أشياء مشابهة إلى حد بعيد كما ذكرت سابقاً.. فهل تكون الرهبنة المسيحية والصوفية الإسلامية هما الجوهر الروحي دون الطقوس الدينية ودون غبار الزمن!!.