الصوم المقبول (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا أمرنا الله بالصوم؟
· منافع الصوم:
لاشك أن للصوم منافع عدة في مجالات كثيرة، منها المنافع الصحية والشخصية والعائلية والاجتماعية والعقلانية والروحانية، وعلي هذا قد أتفق العلماء في العالم أجمع. فمن حيث الصحة فيفيد الصوم في تنظيف المعدة والشفاء من أمراض الجهاز الهضمي. ومن الناحية الشخصية يفيد الصوم في التخفيف أو التخلص من العادات السيئة أو الضارة كالتدخين مثلاً. وبالنسبة للروابط العائلية ، فيفيد الصوم في جمع العائلة عند وجبة الإفطار وتقوية الروابط بين أفراد الأسرة. ومن حيث المجتمع، فيفيد الصوم في تقوية الروابط الاجتماعية بين الجيران والأقارب والأصدقاء، وبتكوين التضامن بين أفراد مجتمع متكامل موحد. وبالنسبة للعقل فيفيد الصوم في زيادة القدرة علي التفكير والتركيز لأنه يزيد كمية الدم المتوافرة للعقل. ومن حيث روح الإنسان، فيفيد الصوم أيضاً، فمن أمتنع عن الطعام والشراب وكلاهما حلال وشرعي، سيجد أن الله تعالي سيعينه في مقاومة الشر والامتناع عن الرغبات غير الشرعية. بالإضافة لكل ما سبق فمن صام سيشعر أن الله تعالي أقرب له وأن دعاءه يستجاب أكثر.
· لماذا فرض الله تعالي الصيام؟
كثيراً ما نسمع عبارات مثل "إن شاء الله يتقبل صومك" أو "صوماً مقبولاً" ولكن كيف نصوم صوماً مقبولاً؟
إن الله تعالي لا يقبل صومنا إلا إذا تحققت غاياته من تشريع الصوم. ولقد ذكرنا أعلاه منافع كثيرة للصوم ولكن ما هي غايات الله الرئيسة في تشريعه للصوم؟
يجيب البعض أن الله عز وجل فرض علينا الصيام لكي نشعر بالفقراء وما يعانونه من الجوع والحرمان. ولكن أصحاب هذا الرأي نسوا أنه تعالي فرض الصيام علي الأغنياء كما فرضه علي الفقراء الذين لا حاجة لهم أن يشعروا بأنفسهم. وبالتالي هذه الإجابة غير صحيحة.
يجيب آخرون أنه تعالي فرض علينا الصيام ليغفر لنا الله ما تقدم من ذنوبنا. لكن هذا القول أيضاً غير صحيح. فلو كان الله يغفر ذنوب الإنسان بسبب صيامه وحسناته ، لأصبح الغفران استحقاقاً للإنسان وأجوراً مترتبة علي الله تعالي وليس رحمة وتكرماً منه. لقد جاء في القرآن الكريم {إن الله غفور}(سورة البقرة 182) ولكن ما جاء فيه أبداً أنه دافع للأجور. جاء أيضاً في القرآن الكريم: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} (سورة الفتح 1-2). تفيدنا هاتان الآيتان بكل وضوح أن الله تعالي فتح ذلك الفتح لكي يغفر الذنوب لا لأننا نستحق الغفران. قد شاء الله تعالي ذلك، وفعله لأنه تعالي يريد ذلك وهذه رحمة من عده تعالي وليست جزاءاً علي صيامنا.
يصدر الغفران من رحمة الله كما جاء في القرآن الكريم: {إن الله غفور رحيم}(سورة البقرة 182). والحمد لله الذي يغفر ذنوبنا بسبب رحمته وليس لسبب إنساني. لذلك فالإجابة ان الله يطالبنا بالصوم لنستحق الغفران هي غير سليمة.
· إذاً ما هي غايات الله من تشريع الصيام؟؟؟
يذكر القرآن الكريم شهر رمضان مرة واحدة فقط (سورة البقرة 185) {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد الشهر فليصمه} لكن يوضح القرآن الكريم غاية من غايات الله من الصوم في الآيات التالية:
1- لقد فرض الله الصيام علي الذين يقتلون خطأ مؤمناً أخر (سورة النساء 92).
2- وعلي الذين لا يوفون بأقسامهم ووعودهم (سورة المائدة 89).
3- وعلي الذين يعصون الله الصيد وهم حرم في الحج (المائدة 95).
4- وعلي الذين يصرفون نسائهم ثم يريدون رجوعهم (سورة المجادلة 4).
وفي جميع تلك الحالات ، لقد أرتكب الإنسان ذنباً وكتب الله علي المذنب الصيام.
لقد رأينا أعلاه أن الغفران ينبع من رحمة الله تعالي وليس من ما نستحقه لماذا كتب الله علينا الصيام إذاً ؟. الصيام هو سبيل الله ليجعل المذنب يشعر بذنبه ويندم عليه ويتوب ولا يكرره.
إذاً علي كل من يرتكب ذنباً أن يقر بذنبه ويندم عليه، ويتوب ولا يعيده وإلا كان صيامه باطلاً.
ولا يستطيع أحد منا أن يدعي انه لم يخطئ ولا يحتاج للتوبة فانظروا حكم القرآن علي الإنسان بوجه عام (علي كل البشر بما فيهم أنا وأنت).
· نحن البشر جميعاً مذنبون وخطاءون كما جاء في القرآن الكريم:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (سورة يونس 44).
{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } (سورة النحل 61).
{ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } (سورة الأحزاب 72).
{ إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (سورة إبراهيم 34).
{قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (سورة عبس 17).
{إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ } (سورة الحج66).
{إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } (سورة الزخرف 15).
{فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ } (سورة الشوري 48).
{وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا } (سورة الإسراء 67).
{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } (سورة يوسف 53).
قد يدعي شخص أن بعض الآيات السابقة لا تنطبق عليه فهو ليس بكافر وبعض الآيات تتحدث عن الكافر ، ولكن فلتعرف أن الكافر ليس فقط من كفر بالله كرب بل من كفر بأوامره ونواهيه وخالفها بمعني لم ينفذها كلها وعلي الدوام فهل أديت كل ما عليك أم قصرت في بعض الأحيان؟ فإذاً نحن والناس جميعنا ظالمون وكافرون ببعض وصاياه (لم ننفذها وخالفناها) ولنا نفس أمارة بالسوء (تدعونا للمعصية وأحيانا نستجيب لها)، وبما أن كل شخص قد أرتكب ذنوباً، كما أوضحت لنا هذه الآيات، فعلي كل منا أن يقر بذنوبه ومعاصيه وظلمه وكفره وسيئاته ويندم عليها، ولذلك فرض الله الصيام علي الجميع، كما جاء في القرآن الكريم:
{كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (سورة البقرة 183).
هل تصدق حكم القرآن عليك كإنسان أنك ظلمت وكفرت وأسأت كما تصفنا الآيات أعلاه؟؟؟؟
هل تندم علي ذنوبك ومعاصيك وظلمك؟؟؟؟؟؟
إن كانت إجابتك علي ما سبق هي "نعم" فحينئذ تتحقق غاية الله الأولي من تشريع الصوم وهي: أن تقر بذنبك لله وتتوب عنه.
===================