نتيجة صلاتي (قصة)
نتيجة صلاتيلم أكن أعي وأنا أصارع الأمواج ما حدث تماما.. لقد كنت بحارا في تلك التي كانت سفينة ثم بقدرة قادر صارت مجرد أخشاب متناثرة عائمة على وجه المياة العاصفة.. وعلى الرغم من مهنتي التي دامت أكثر من خمسة عشر سنة فأنا لم يسبق لي أن صارعت تلك الأمواج الوحشية من قبل.. ولكن هذا ما حدث .. وبينما أنا أصارع تلك الأمواج كان تصل لأذني أصوات ركاب السفينة الذين كانوا يتصارعون مثلي.. وسرعان ما كنت أسمع تلك العبارة الشهيرة .. الحقوني .. سأغرق.. ولم تمض بضعة ساعات من العراك في الظلام, ومن سماع أصوات الاستغاثة.حتى بدأت تلك الأصوات تخفت تدريجيا.. وخبطات الأيادي المرتاعة تخفت حدتها.. وبعد قليل .. لم أعد أسمع تلك المصارعات في جانبي .. لم يكن هناك سوي صوت ارتطام يديّ في المياه برتابة مخيفة.. هل هدأت الأمواج ? غالبا.. فأنا لا أرى شيئا ..? حل الصمت.. هل انتهى الصراع.. يبدو أن الأمواج هزمت الجميع.. كادت يداي تخوران وأنا أشعر أني وحدي.. ذلك الصمت المطبق مريع.. يا إلهي .. أشعر أني أخور.. هل هي النهاية.. صرخت بكل كياني.. "ياالهي.. انقذنى".. لأجد ضوء الفجر وقد بدأت خيوطه تنسج نسيجها وسط ذلك الظلام.? خشبة وحيدة بعيدة تلمع في ضوء الشروق...? عيناي المتعبتان المهتزتان تريان تلك الخشبة البعيدة .. والامواج تتحول من الصخب الى السكون.. أريد أن أصل الى تلك الخشبة.. هل أستطيع؟ .. ساعدني يا رب.. ها قد قاربت الوصول.. إنها على بعد دراع واحد. سأصل ..ومددت يدي لأمسك بمنقذي.. ولم أشعر بشئ بعدها.
#####
لم أعرف كم بقيت نائما، أو قل في غيبوبة, وعندما استيقظت بقيت فترة أشعر أني في حلم, استيقظت ولا تزال في اذني صرخات الاستغاثة التي لا تزال تتردد بداخلي، كما شعرت بعضلات يدي متضخمة ومشدودة بصورة جعلتني أجد صعوبة في فردها..
ترى أين أنا
ذلك هو السؤال الأول الذي راودني.. كان شاطئ كبير.. لم أعرف ان كان جزيرة وسط البحر ام ساحلا من السواحل .. نظرت من حولي فرأيت اللون الأصفر يسيطر على كل شئ, أهي صحراء؟ من يعيد وجدت بعض أشجار النخيل.. حسنا.. هناك طعام على الأقل.
لقد كنت مرتبكا والأمور مشوشة في رأسي والمجهود الذي بذلته طوال الليل أثر على تفكيري.. جلست .. ? من حولي كمية من الأخشاب التي كانت في يوم من الأيام مركبا يحمل العديد والعديد من البضائع والركاب.. لولا الظلام.. لصعد الكثير من الركاب على هذه الأخشاب واستسلموا لها مثلما فعلت أنا وربما كنا كثيرون في هذا المكان, ولكنه الظلام اللعين الذي جعلنا جميعنا نتخبط دون أن نرى وسيلة الانقاذ التي كانت تعوم بجابنا.. ولولا اصراري على النجاة ومقاومتي حتى بزوغ الفجر لما تمكنت من رؤية وسيلة الانقاذ.. وهناك شئ آخر
لقد تذكرت تلك الصرخة اليائسة التي صرختها الى الهي.. هل كانت هي السبب في النجاة؟ .. كثيرون كانوا يطلبون النجاة، والقلوب كانت تصرخ قبل الالسنة.. فلماذا تكون صرختي هي السبب في نجاتي.. أجل ربما هي ..
ولم أتمالك نفسي فسرعان ما تصاعدت من قلبي صلاة شكر وامتنان لذلك الاله العظيم الذي أعبده وأضع ثقتي عليه, وعلى الرغم من أني كثيرا ما كنت أتناساه في متاهات الحياة الا أنه من جهته يظل أمينا ولا ينساني أبدا.. له شكري وسجودي......
#####
لازلت في الخطر.. فطالما أنا هناك في ذلك المكان المجهول البعيد عن السكان فالخطر لا زال قائما, ولكن كان أيضا بداخلي ذلك الشعور بالرفقة من إله عظيم, وتلك الثقة في نجاتي من هذه المحنة.. وعندما استعدت قواي قليلا بدأت أحاول الوقوف واستكشاف المكان .. كان المكان مجردا من كل وسائل المعيشة, وكان علي أن أسير لأكثر من كيلو متر حتى أجد أشجار النخيل وبعدها أتسلق تلك الأشجار لأحصل على ما يسد رمقي.. انه أمر متعب لشخص منهك القوى مثلي.. ولكن لابد منه لأبقى على قيد الحياة.. في البداية كنت واثقا بداخلي أن الأمر سيمر بسرعة ولكني وجدت نفسى وقد انقضى اسبوعان والأمور لا تتغير, ولا يوجد حتى حيوان واحد أستطيع أن آكله أو أستأنس به.. وأخاف من التوغل الى داخل الجزيرة أكثر وتأتي سفينة وأفقد فرصة الانقاذ.. فكنت كل يوم أكتفي بالدخول الى المكان الذي أستطيع أن آكل واشرب فيه ثم أرجع بسرعة الى الساحل.. ويوما بعد يوم بدأت ثقتي تهتز واتذكر قصة ذلك الرجل " روبنسون كروزو" الذي عاش سنوات عمره على جزيرة فيقشعر بدني.
كان لا بد من مأوى.. فأنا لا أعرف الى متى سأظل في هذا المكان.. وبعد أكثر من شهر قضيته في العراء والشمس الحارقة تلفحني .. قررت أن ابني بيتا, وكنت في صراع بين أن أبني بيتي هذا على الشاطئ حتى أراقب سفينة الانقاذ وبين أن ابنيه بالقرب من طعامي وشرابي.. لكن الذي حسم الموضوع هو الأخشاب.. لقد قررت أن ابني بيتي من حطام ذلك المركب الذي عملت فيه خمسة عشر سنة كاملة، وواحدة من أخشابه كانت سبب بقائي على قيد الحياة دون باقي الركاب.. لقد صار بيني وبين تلك الأخشاب الفة عجيبة.. وبكثير من الود رحت أرفع الأخشاب والصقها ببعضها البعض بأغصان النخيل لأبني بيتي.. لأني اقتنعت أن الاقامة هنا ستطول.. وبعد جهد مضن أصبح لدي بيت جميل.. لم يكن كبيرا ولكنه جميل.. ترى كم من الوقت سأقضيه في هذا المكان.. راودتني فكرة روبنسون كروزو من جديد فاقشعر بدني ولم أتمالك نفسي.. فما أن عبرت عتبة ذلك البيت في أول ليلة أقضيها تحت سقف منذ أكثر من شهر حتى سجدت الى الله, أشكره على ذلك.. ولم أستطع النوم بعدهاا لأني اعتدت على النوم في العراء فجلست من جديد أصلي إلى اله السماء.. طوال الليل أخذت أصلي حتى رحت في النوم ولم أشعر بنفسي الا عندما ظهر نور الصباح.. فذهبت لأبحث عن طعامي من جديد في رحلة تستغرق وقتا طويلا ..
#####
وفي رجوعي هالني ما رأيت.. ذلك البيت الذي تعبت فيه أياما طوال لم أهنأ به أكثر من ليلة واحدة فلست أدري ما الذي حدث حتى اشتعلت فيه النيران.. وبدأت تأكله .. أصابني الياس وأنا أصرخ وأصرخ.. دون أن أحاول إنقاذ ذلك البيت الذي أحببت أخشابه وكانت مصدر قوتي ورزقي خمسة عشر سنة ? وكانت مصدر نجاتي من الغرق أيضا، وها هي تنتهي هكذا سريعا.. جلست أتأمل ذلك الدخان المتصاعد الى كبد السماء وأنا أبكي في هستريا شديدة واتساءل .. لماذا يارب .. اهذه هي استجابة صلاتي .. طوال الليل أصلي أن تنتهي محنتي فتكون نتيجة ذلك أن تقضي على ذلك المأوى الذي يأويني؟ .. لماذا يارب؟ .. ليتك كنت أمتّني مع البقية الباقية ولا أتعرض لكل هذا.. لقد تعبت تعبت.. وتهاوت قدماي في يأس ? ومن تعبي رحت في نوم عميق..... الى متى لست أدري.. ولكني أستيقظت ويد تهزني بشدة.. لأستيقظ وأجد مجموعة من البحارة واقفين حولي ..
- كيف .. كيف وجدتموني ?
قلتها في مزيج من الاندهاش والفرحة.. أنا الذي كنت كل ليلة أرقب البحر بشوق أن أجد سفينة تسير فتنقذني.. تجدني السفينة نائما في وضح النهار؟؟ كيف
- قال لي من كان يهزني
- هذا المكان لا تسير فيه أي سفينة.. ولكن الدخان الكثيف المتصاعد من منزل يحترق جعلنا نشك في وجود حياة على تلك الجزيرة المهجورة.. لا سفينة تسير في هذا المكان لولا أنك أحرقت منزلك.. لقد أحرقته في الوقت المناسب جدا بحيث استطعنا أن نراك.. أنت محظوظ يا رجل
- محظوظ.. أجل محظوظ.. ليس بسبب ذكائي , ولكن لأن من رافقني طوال هذه الرحلة اعتني بي جيدا..
- من
نظرت الى السماء وقلت
- أنه هو الذي في يديه مقاليد حياتي.. أتذمر .. وهو لا يغضب.. أتعلق بأخشاب , ولكنه هو المنقذ.. في الوقت الذي أتذمر فيه لأجل أخشاب بالية محروقة .. اجده يستجيب صلاتي بحرق تلك الأخشاب في الوقت المناسب.. انني حقا محظوظ.. لقد استجاب صلاتي بحرق بيتي .
-----------------