عشاق الله

مع الله والذرة لإبراهيم علي بديوي

 

مع الله والذرة

للعالم والشاعر السوداني الكبير إبراهيم علي بديوي

بك أستجير ومن يجير سواكا
فأجر ضعيفا يحتمي بحماكا


إني ضعيف أستعين على قُوى
ذنبي و معصيتي ببعض قُواكا


أذنبت يا ربي وآذتني ذنو
ب ما لها من غافر إلاكا


دنياي غرتني وعفوك غرني
ما حيلتي في هذه أو ذاكا


لو أن قلبي شك لم يك مؤمنا
بكريم عفوك ما غوى وعصاكا


يا مدرك الأبصار والأبصار لا
تدري له ولكنهه إدراكا


أتراك عين والعيون لها مدى
ما جاوزته ولا مدى لمداكا


ان لم تكن عيني تراك فإنني
في كل شيء أستبين علاكا


يا منبت الأزهار عاطرة الشذا
هذا الشذا الفوّاح نفح شذاكا


يا مرسل الأطيار تصدح في الربا
صدحاتُها إلهام ُموسيقاكا

يا مجري الأنهار؛ ما جريانها
إلا انفعاله قطرة لنداكا

رباه هأنذا خلصت من الهوى
و استقبل القلب الخلي هواكا


وتركت أنسي بالحياة و لهوها
ولقيت كل الأنس في نجواكا


و نسيت حبي و أعتزلت أحبتي
ولقيت نفسي خوف أن أنساكا


ذقت الهوى مرا و لم أذق الهوى
يا رب حلوا قبل أن أهواكا


أنا كنت يا ربي أسير غشاوةٍ
رانت علي قلبي فضل سناكا


و اليوم يا ربي مسحت غشاوتي
وبدأت بالقلب البصير أراكا


يا غافر الذنب العظيم و قابلا
للتوب ؛ قلب تائبا ناجاكا


أترده و ترد صادق توبتي
حاشاك ترفض تائبا حاشاكا


يا رب جئتك نادما أبكي على
ما قدمته يداي لا أتباكى


أنا لست أخشي من لقاء جهنم
وعذابها لكنني أخشاكا


أخشي من العرض الرهيب عليك يا
ربي و أخشى منك إذ ألقاكا


يا رب عدت إلى رحابك تائبا
مستسلما مستمسكا بعراكا

ما لي وما للأغنياء و أنت يا
ربي الغنيُّ ولا يُحد غناكا


مالي وما للأقوياء وأنت يا
ربي ورب الناس ما أقواكا


ما لي وأبواب الملوك و أنت من
خلق الملوك و قسم الأملاكا


إني أويت لكل مأوى في الحيا
ة فما رأيت أعز من مأواكا


و تلمست نفسي السبيل إلى النجا
ة فلم تجد مَنْجىً سوى منجاكا


و بحثت عن سر السعادة جاهدا
فوجدت هذا السر في تقواكا

فليرض عني الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا


أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي
وتعينني وتمدني بهداكا


فاقبل دعائي و استجب لرجاوتي
ما خاب يوما من دعا ورجاكا


يا رب هذا العصر ألحد عند ما
سَخَّرْتَ يا ربي له دنياكا


علمته من علمك النووي ما
علمته فإذا به عاداكا


ما كاد يطلق للعلا صاروخه
حتى أشاح بوجهه و قلاكا



و اغتر حتى ظن أن الكون في
يمنى بني الإنسان لا يمناكا


أو ما دري الإنسان أن جميع ما
وصلت إليه يداه من نعماكا؟


أو ما دري الإنسان انك لو أردت
لظلت الذرات في مخباكا


لو شئت يا ربي هوى صاروخه
أو لو أردت لما استطاع حراكا


يا أيها الانسان مهلا و اتئد
و اشكر لربك فضل ما أولاكا


و اسجد لمولاك القدير فإنما
مستحدثات العلم من مولاكا


الله مازَكَ دون سائر خلقه
وبنعمة العقل البصير حباكا


أفإن هداك بعلمه لعجيبة
تَزْوَرُّ عنه وينثني عطفاكا


إن النواة والالكترونات التي
تجري يراها الله حين يراكا


ما كنت تقوى أن تفتت ذرة
منهن لولا الله قد قواكا


كل العجائب صنعة العقل الذي
هو صنعة الله الذي سواكا


و العقل ليس بمدرك شيئا إذا
ما الله لم يكتب له الإدراكا


لله في الآفاق آيات لعل
أقلها هو ما إليه هداكا


ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناكا


والكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيرا لها أعياكا


قل للطبيب تخطفته يد الردى
يا شافي الأمراض: من أرداكا؟


قل للمريض نجا وعوفي بعدما
عجزت فنون الطب: من عافاكا؟


قل للصحيح يموت لا من علة
من بالمنايا يا صحيح دهاكا ؟


قل للبصير و كان يحذر حفرة
فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟


بل سائل الأعمى خطا بين الزحام
بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟


قل للجنين يعيش معزولا بلا
راع و مرعى: ما الذي يرعاكا؟


قل للوليد بكى و أجهش بالبكاء
لدى الولادة : ما الذي أبكاكا؟


و إذا ترى الثعبان ينفث سمه
فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟


فاسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟


و اسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهدا وقل للشهد من حلاكا؟


بل سائل اللبن المصفى كان
بين دم وفرث ما الذي صفاكا؟


و إذا رأيت الحي يخرج من حنا
يا ميِّتٍ فاسأله: من أحياكا؟


وإذا ترى ابن السود أبيض ناصعا
فاسأله: من أين البياض أتاكا؟


و إذا ترى ابن البيض أسود فاحما
فاسأله: من ذا بالسواد طلاكا؟


قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى
عن عيون الناس من أخفاكا؟


قل للنبات يجف بعد تعهد
ورعاية: من بالجفاف رماكا؟


و إذا رأيت النبت في الصحراء يربو
وحده فاسأله: من أرباكا؟


و إذا رأيت البدر يسري ناشرا
أنواره فاسأله: من أسراكا؟


و اسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد
كل شيء ما الذي أدناكا؟


قل للمرير من الثمار من الذي
بالمر من دون الثمار غذاكا؟


و إذا رأيت النخل مشقوق النوى
فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟


وإذا رأيت النار شب لهيبها
فاسأل لهيب النار :من أوراكا؟


و إذا ترى الجبل الأشم مناطحا
قمم السحاب فسله من أرساكا؟


و إذا ترى صخرا تفجر بالمياه
فسله : من بالماء شق صفاكا؟


و إذا رأيت النهر بالعذب الزلال
جرى فسله: من الذي أجراكا؟


و إذا رأيت البحر بالملح الأجاج
طغى فسله: من الذي أطغاكا؟


و إذا رأيت الليل يغشى داجيا
فاسأله: من يا ليل حاك دجاكا؟


و إذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا
فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟


هذى عجائب طالما أخذت بها
عيناك و انفتحت بها أذناكا


و الله في كل العجائب ماثل
إن لم تكن لتراه فهو يراكا


يأيها الإنسان مهلا ما الذي
بالله جل جلاله أغراكا؟


حاذر إذا تغزو الفضاء فربما
ثأر الفضاء لنفسه فغزاكا


اغز الفضاء ولا تكن مستعمرا
أو مستغلا باغيا سفاكا


إياك أن ترقي بالاستعمار في
حرم السموات العلا إياكا


إن السموات العلا حرم طهور
يحرق المستعمر الأفاكا


اغز الفضاء و دع كواكبه سوا بح
إن في تعويقهن هلاكا


إن الكواكب سوف تفقد رشدها
وتحطم الأبراج و الأفلاكا


و الجاذبية سوف يفسد أمرها
و تسيء عقباها إلى عقباكا


و لسوف تعلم أن في هذا قيام
الساعة الكبرى هنا وهناكا


أنا لا أثبط من جهود العلم أو
أنا في طريقك أغرس الأشواكا


لكنني لك ناصح فالعلم إن
أخطأت في تسخيره أفناكا


سخر نشاط العلم في حقل الرخا
يصغ من الذهب النضار ثراكا


سخره يملأ بالسلام و بالتعاون
عالما متناحرا سفاكا


و أدفع به شر الحياة و سوءها
و أمسح بنعمى نوره بؤساكا


العلم إحياء و إنشاء
وليس العلم تدميرا ولا إهلاكا


فإذا أردت العلم منحرفا فما
أشقى الحياة به وما أشقاكا