القصيدة الهائية
القصيدة الهائية
حجة الإسلام الغزالي
مـا بـال نفسـي تطيـل شكـواهـا
إلـى الـورى وهــي ترتـجـي اللهَ
يفـسـد إخـلاصـهـا شكايـتـهـا
ذاك الــذي راعـهـا وأرداهـــا
لـو أنهـا مـن مليكـهـا اقتـربـت
وأخـلـصـت ودهـــا لأدنـاهــا
لكـنـهـا آثــــرت بـريـتــه
علـيـه جـهـلا بــه فأقـصـاهـا
أفقـرهـا لـلـورى ولــو لـجـأت
الـيـه مــن دونـهـم لأغنـاهـا
تشـكـو إلــى خلـقـه كـأنـهـم
قــد ملـكـوا نفعـهـا وضـراهـا
لـو فـوضـت أمـرهـا لخالقـهـا
وصحـحـت صدقـهـا وتـكـلاهـا
عوضهـا مــن همومـهـا فـرجـا
ولــم يدعـهـا بـطـول غمـاهـا
تسخـطـه فــي رضــا بريـتـه
تبـا لـهـا مــا أجــل بلـواهـا
لــو أنـهـا للعـبـاد مسـخـطـة
مـرضـيـة ربـهــا لأرضـاهــا
لــدي نـفـس أحــب أنعـتـهـا
لتـعـرفـوا نعـتـهـا وأسـمـاهـا
فاسمـع صفاتـي لـهـا لعـلـك أن
تفـهـم ذا الـلـب ســر معنـاهـا
تسعـى إلـى اللهو وهـو غايتـهـا
يـا ويلهـا مـا أضــر مسعـاهـا
أزجـرهـا وهــي لــي مخالـفـة
كأنـنـي لـسـت مــن أوداهـــا
تنظـر فـي عيـب غيرهـا سفـهـا
وكــم عـيـوب لـهـا فتنسـاهـا
قـد ظلمتـنـي بـسـوء عشرتـهـا
ولـم تـدع لـي تقـوى ولا جـاهـا
كثـيـرة اللـغـو فــي مجالسـهـا
قليـلـة الـذكـر فــي مصـلاهـا
قليـلـة الشـكـر عـنـد نعمتـهـا
ضعيفـة الصـبـر عـنـد بلـواهـا
بطيئـة السـعـي فــي مصالحـهـا
سريعـة الـجـري فــي بلايـاهـا
كثيـرة المـطـل فــي مواعـدهـا
كـذوبـة فــي جمـيـع دعـواهـا
بـصـيـرة بـالـهـوى وفتـنـتـه
عمـيـة عــن أمــور أخـراهـا
نشيـطـة عـنـد وقــت لذتـهـا
كاسـلـة عـنـد وقــت ذكـراهـا
نؤومـة العيـن عـن عبـادة مــن
أتـقـن تصـويـرهـا فـسـواهـا
كثيـرة الأمــن عـنـد صحتـهـا
عظيمـة الخـوف عـنـد ضـراهـا
حليـفـة الكـبـر والـريـاء فـقـد
أفـسـدهـا كـبـرهـا وأطـغـاهـا
عظيمـة الـمـدح والثـنـاء لـمـن
يـرفــع مـقـدارهـا ومـثـواهـا
مطيـلـة الــذم بالقبـيـح لـمـن
عـرفـهـا قـدرهــا وطغـيـاهـا
تفـرح فــي أكلـهـا ومشربـهـا
وجـهــا للـمـنـام أغــراهــا
ذاكـــرة لـلــورى مسـاويـهـم
ناسـيـة مــا جـنـاه كـفـراهـا
كم بيـن نفسـي وبيـن نفـس فتـى
طـهـرهـا بالـتـقـى ونـقـاهـا
علمـهـا رشـدهــا وبـصـرهـا
ثــم بـقـوت الـحـلال غـداهــا
أقامهـا فـي الدجـى عـلـى قــدم
فانهمـلـت بـالـدمـوع عيـنـاهـا
إذا اشتـهـت شـهـوة يـعـودهـا
بـخـوف معـبـودهـا فـسـلاهـا
وراضـهـا بالصـيـام فانقـمـعـت
بالرغـم عــن غيـهـا ومغـراهـا
ذاكـــرة لــلالــه شــاكــرة
مخلـصـة سـرهــا ونـجـواهـا
لله نـفــس امـــرء مـوفـقـة
آوت إلـــى ربـهــا فـآواهــا
شـرفـهـا ربـهــا وكـرمـهــا
ومــن مـيـاه اليقـيـن أرواهــا
سمـت الـيـه بحـسـن فكرتـهـا
ثـم صـافـي ودادهــا فصفـاهـا
تلـك التـي إن دعــت لحاجتـهـا
أجـابـهـا مـسـرعـا ولـبـاهـا
إن بلـيـت بالخـطـوب صـبـرهـا
أو سألـت مــا يـريـد أعطـاهـا
ليسـت كنـفـس لــدي عاصـيـة
آمـرهــا جـاهــدا وأنـهـاهــا
وهــي لأمــر الالــه عاصـيـة
ويلـي لمـا قـد جـنـت وويـلاهـا
كيـف إلـى ربهـا تـنـوب وقــد
ذلـــت لشيطـانـهـا فـأغـراهـا
فكلمـا قـلـت نـفـس ازدجــرى
وراقـبــى فـــي أمـــورك الله
صمـت عـن الحـق وهـي سامعـة
كأنـنـي مــا أريـــد إيـاهــا
لـو علمـت بعـض مالـه خلـقـت
أحـزنـهـا علـمـهـا وأبـكـاهـا
لـو تـعـرف الله حــق معـرفـة
لصحـحـت بـرهــا وتـقـواهـا
لكـنـهـا جهـلـهـا بخـالـقـهـا
أغفـلـهـا رشـدهــا وألـهـاهـا
يا ويـح نفسـي والويـح حـق لهـا
إن صـدهـا ربـهــا وأرداهـــا
تغـرهـا لــذة الـحـيـاة ومـــا
تـدري إلـى مـا يكـون عقبـاهـا
قـد ضقـت ذرعـا بهـا واحبسهـا
لـم أك أعـصـى الالــه لـولاهـا
إن أنـا حـاولـت طـاعـة فـتـرت
وأظـهـرت وحـشــة واكـراهــا
صـرت مـع النفـس فـي محاربـة
تأمـرنـي بـالـهـوى وأنـهـاهـا
نـحـن كقرنـيـن فــي معـاركـة
أدرع الصـبـر عـنــد لقـيـاهـا
وهـي بجنـد الـهـوى مبـارزتـي
وأي صـبـر يـطـيـق هيـجـاهـا
إن جبـنـت بالـقـتـال شجـعـهـا
أو ضعفـت فــي اللـقـاء قـواهـا
أصرعـهـا تــارة وتصـرعـنـي
لكـن لهـا السبـق حـيـن ألقـاهـا
أحبـهـا وهــي لــي مـعـاديـة
كأنـنـي لـسـت مــن أحـبـاهـا
عـــدوة لا أطـيــق أبغـضـهـا
يــا ليتـنـي استطـيـع أنسـاهـا
سابـحـة فــي بـحـار فتنـتـهـا
جاثـيـة فــي ســدول ظلمـاهـا
أحسبـهـا إن أبــت موافـقـتـي
خـاســرة ديـنـهـا ودنـيـاهـا
يــا رب عـجـل لـهـا بتوبتـهـا
واغسـل بمـاء التـقـى خطايـاهـا
إن تــك يــا سـيـدي معذبـهـا
مـن ذا الـذي يرتـجـي لرحمـاهـا
فالطـف بهـا واغتـفـر خطيئتـهـا
إنـــك خـلاقـهـا ومــولاهــا