عشاق الله

الصوم بين المظهر والجوهر

  الصوم بين المظهر والجوهر

تهنئة من مسيحي إلي أخوته المسلمين بمناسبة حلول شهر الصوم

كل عام وجميع أحبائنا المسلمين في مصر والعالم العربي وسائر الدول بخير وسلام بمناسبة حلول شهر رمضان راجين من إلهنا الواحد أن يحفظنا جميعا في خير وسلام وأن يحمينا من شرور العنف والإرهاب .

لغويا يعرف (المعجم الوجيز) الصوم بأنه الإمساك والكف عن الشيء ويعرف قاموس ( المصباح المنير ) الصائم بأنه كل ممسك عن الطعام أو الكلام أو السير . والصوم موجود في كل الأديان بل وحتى قبل الأديان فلقد عرفه الإنسان ومارسه منذ فجر البشرية فأقدم الوثائق التاريخية وما نقش في معابد الفراعنة وما كتب في أوراق البردي جميعها تؤكد أن المصريين القدماء مارسوا الصوم وخاصة أيام الفتن حسب ما أملته عليهم شعائرهم الدينية آنذاك كذلك فإن للهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة في الصوم حددتها لهم كتبهم المقدسة .ومما لاشك فيه أن للصوم منافع عديدة أجمع عليها العلماء والأطباء منها المنافع الصحية والشخصية والعائلية والاجتماعية والعقلانية فمن حيث الصحة يفيد الصيام في تنظيف المعدة والشفاء من أمراض الجهاز الهضمي ومن الناحية الشخصية يفيد الصيام في التخلص من العادات السيئة والضارة ومن الناحية العائلية يفيد الصيام في جمع العائلة عند الإفطار وتقوية المحبة بين أفراد الأسرة ومن الناحية الاجتماعية فيفيد الصيام في تقوية الروابط الاجتماعية بين الأقرباء والأحباء والأصدقاء وزيادة أواصر المحبة بين الجميع ومن الناحية العقلية فيفيد الصيام في زيادة القدرة علي التفكير والتركيز لأنه يزيد من كمية الدم المتوفر للعقل . ولكن علي الرغم من كل منافع الصوم هل يجب علي الإنسان أن يصوم طمعا في هذه المنافع أم أن للصوم غرض آخر هو غرض روحي هو أن يرتفع الصائم عن مستوي الجسد ليسمو بالروح ويترفع عن الأرضيات ليرقي إلي السمائيات ؟! وهل يقبل الله سبحانه وتعالي كل صوم يصومه الإنسان ؟ في حقيقة الأمر توجد أصوام لبعض الناس _في كل دين _ ليس لله أي نصيب فيها !! فالناس يصومون لأجل أغراض شتي فهناك من يصومون بغية أن يشعروا بالفقراء وما يعانونه من الجوع والحرمان ولكن أليس الفقراء أيضا يصومون وهم ليسوا في حاجة لأن يشعروا بأنفسهم ؟! وهناك من يصومون بغية مسايرة الأغلبية في صومها وهناك من يصومون ليحصلوا علي مدح الناس وهناك من ينتهزون فرصة الصوم للتخسيس وعمل الريجيم ! وهناك من يصومون عن خجل واضطرار وهناك من يصومون بغرض التباهي والافتخار وهناك من يصومون ويمتنعون عن الأطعمة ولكنهم في ذات الوقت يمتعون أنفسهم بشهوات أخري لا يقوون علي الامتناع عنها ! فهل يمكن أن يقبل الله سبحانه وتعالي مثل هذا الصوم ؟! من الخطأ الفادح أن يظن الصائم أن الهدف من الصوم هو فقط الامتناع عن الطعام والشراب لفترة من الزمن دون أن يصوم قلبه عن ارتكاب المعاصي والمآثم فما أكثر اللذين يصومون أجسادهم عن الطعام ولكنهم يعيشون بألسنة وقلوب وأيد وعيون غير صائمة !! إن الصوم لا يتوقف عند حد الامتناع عن الأكل والشرب ولكن للصوم معنى أعمق من ذلك? إن جوهر الصوم أن نجوع ليس إلي الطعام ولكن إلى الله أن نشعر بأننا فقراء إليه وأن نؤمن بأن الحاجة إلى واحد إلي هذا الإله الواحد الذي يغذينا بنعمته فنفهم إننا به نلنا كل شيء 0إن الصوم ليس سوى ترويض النفس والقلب والعقل على أن الله هو المهيمن على الدنيا والتاريخ وهو كل الحياة فالله سبحانه وتعالي إله قدوس يكره الخطيئة كما إنه يبغض الإثم والاعتكاف لذا فهو يريد القلب النقي أكثر مما يريد الجسد الجائع والمعدة الخاوية !! إن الصوم الذي يقبله الله هو صوم القلب عن النيات الشريرة والدوافع الغير نقية وهو صوم الشفاه عن التكلم بالكذب والتفوه بالأباطيل والخداع والغش والنفاق وهو صوم العين عن النظرات الشريرة الشهوانية وهو صوم الأرجل عن الجريان إلي السوء وإيذاء الآخرين وهو صوم الأيدي عن العنف وسفك الدماء البريئة وكذلك صومها عن أخذ الرشوة والسرقة ونهب المال العام !! إن منع الجسد عن الطعام لابد أن يمتد ليكون منعا عاما عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالي لأن الذي يكف عن الطعام والشراب ولكنه لا يكف نفسه عن الغيبة والزور ولا يحفظ جوارحه عن الآثام أو يصوم ويفطر علي لحوم الناس بالغيبة هذا الإنسان لا يجني من صيامه إلا الجوع والعطش !! إن جوهر الصيام هو تقوي الله وانطلاق الروح من مطالب الجسد لكي يسمو الجسد معها متجهين معا في اتجاه واحد هو محبة الله والتمتع بعشرته ويوم الصوم الذي لا يفكر فيه المرء في الله سبحانه وتعالي وفي تقواه ينبغي أن يشطب من أيام الصوم !! يارب ونحن صائمون هبنا أن نتوب عن خطايانا وأثامنا وأعطنا أن نصوم القلب مع المعدة فتتنقى اتجاهاتنا ودوافعنا واجعل هدفنا الرئيسي والأوحد هو مخافتك وتقواك وأعطنا أن نتخلي عن أنانيتنا فنمتنع بحريتنا عن الطعام حتى نؤازر الممتنع عنه غصبا وأعطنا ياربنا في صومنا أن نطعم الجائع ونؤوي المسكين ونكسو العريان ونحرر الأسير ونهدي الضال ونساند الضعيف ونقف بجوار المظلوم والمهزوم وساعدنا لكي ننزع من قلوبنا الكراهية والضغينة ونزرع محلها بذور الحب والتسامح وبهذا نحن نثق أنك ستقبل صومنا ........أمين
***************