عشاق الله

الرجل الفلسطيني وزوجته الإسرائيلية

  الرجل الفلسطيني
وزوجته الإسرائيلية

في سيارته الشيروكي الضخمة كان يجوب شوارع بيت لحم هو وزوجته, وفي الكرسي الخلفي كان يجلس طفلهما الصغير إياد الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره, وكان أبو إياد يطرق البيوت بصورة عشوائية غير مميز أي بيت عن الآخر وكان يسأل سؤاله المعهود إلى سيدة الدار.
- عفوا سيدتي .. هل عندكم طحين..
فتنظر إليه السيدة بلهفة وتقول
- كلا يا أبا أياد.. هل جئت ببعض الطحين لأسرتنا .. لقد نفذ الطحين من البيت تماما
- لحظة واحدة يا سيدتي
و يسرع أبو أياد إلي سيارته ويتجه إلى الباب الخلفي للسيارة ?يخرج كيسا من الطحين ?يحمله إلي ?لسيدة الملهوفة ويعطيه لها ثم يرجع إلي سيارته ويكمل هو سيره ترافقه دعوات السيدة التي وجدت حاجتها وحاجة أسرتها لأيام قليلة.

#####

بيت لحم.. ذلك المكان الذي أصبح لا يحمل معناه بعد الظروف القاسية التي يواجهها المكان من الحصار الإسرائيلي لأهله حتى صار المكان كما لو كان فيه مجاعة .. ذلك المكان الذي معنى اسمه بيت الخبز لم يعد فيه أي شئ. غير الخراب والخوف الرهيب من الغد القريب..

أما أبو إياد هذا فقد كان لوقت قريب أحد التجار الأغنياء جدا في فلسطين العربية وكان يعيش في غزة متزوجا من سيدة عربية ناصرية لها جواز سفر إسرائيلي نتيجة لمعيشتها في الجزء الذي يخص إسرائيل من فلسطين. وعندما قامت انتفاضة الأقصى واجه أبو إياد مثله مثل غيره من الشعب كل المحن .. وواجه صعوبة في العيش وفي التجارة..ولكن الذي أرقه فعلا هو أنه وجد في كل بيت في بلدته موت شاب أو طفل بسبب أعمال العنف الإسرائيلي أو الأعمال الانتحارية من الشباب الفلسطيني لكي يعبروا عن رغبتهم الرهيبة في تحرير بلادهم . كل هذا سبب أزمة نفسية شديدة لأبي إياد فأراد أن يشارك بلدته في شئ يعبر عن كفاحه وجهاده ضد العدو الإسرائيلي . ? لكن لم يكن أبو اياد ممن يؤمنون بالانتحار في سبيل القضية ? ولم يكن يؤيد فكرة أن يفجر شباب في عمر الزهور أنفسهم في سبيل أن يقتلوا جنديا أو اثنين من جنود الاحتلال.. ولكنه أيضا كان مؤمنا بقضيته تمام الإيمان.. وكان يريد لها أن تحل بأسرع وقت, وكان يحزن كثيرا لأجل البيوت التي تنفذ منها موارد الطعام فكان يكرس نفسه ووقته في توفير الطحين والاحتياجات الأخرى الضرورية للبيوت.. ففكر أنه يمكن أن يخدم بلدته بهذا الأسلوب إذ أراد أن يقدم ثروته في سبيل الأسر المحتاجة التي ينفذ منها الطعام .. فقد كان يذهب مرة إلى الأردن ومرة إلي مصر يجمع التبرعات العينية كلما قدر وأيضا يشترى تلك الاحتياجات التي لا يستطيع توفيرها من خلال التبرعات ويأتي بها إلى بلاده ويجوب القرى والمدن محاولا تقديم المساعدات.

######

كانت هذه هي رسالته التي يحاول فيها أن يساعد بلده، وعندما قيل له أن بيت لحم تعاني من المجاعة وجه سيارته إليها بسرعة.. ومعها ما تيسر من المؤن .. وعندما انتهى من توزيع بضاعته إلي البيوت المحتاجة نظر إلى الخلف ليجد سيارته بها مزيد من الأشياء التي يمكن أن توزع فنظر إلي زوجته وفكر قليلا ثم قال

لنتجه إلي القدس
قالها إلي زوجته التي نظرت إليه في خوف وقالت له
- هذا خطر كبير يا أبا اياد
- لا تخافي .. سندخل ونخرج بسرعة لابد أنه يوجد كثيرون يحتاجون إلى الخبز
- ربنا يستر

#####

اتجه الرجل إلي طريق القدس ? كان يقود سيارته وهو يتحدث مع زوجته بينما كان ينبعث من جهاز التسجيل صوت فيروز وهي تغني أغنيتها الشهيرة (القدس لنا ) .. ? كان الطفل إياد يلهوا بلعبة كان قد ابتاعها من مصر في زيارته الأخيرة .. سارت السيارة في طريقها إلي القدس حتى أوقفتها دورية من البوليس الإسرائيلي..
تنزل الزوجة من السيارة . يتحدث لها الجندي بغلظة وهو يعبث ببندقية آلية
- أوراقك
تخرج السيدة أوراقها وجوازها الإسرائيلي.. فينظر الرجل إلي الجواز دون أن تتبدل ملامح الغضب ويبدو انه يسمع صوت فيروز من داخل السيارة فيسترسل
- أوراق الرجل الذي معك
- هذا زوجي .. وهذا طفلنا
يتجه بالنظر إليه .. ثم يقول له
- انزل من السيارة
يهبط أبو اياد من السيارة .. ويتجه إلي سيارة الدورية هو وزوجته فيقول له الشرطي
- أوراقك
- تفضل
- لماذا أنت هنا
هذه زوجتي ونحن في زيارة لأقربائنا في بيت لحم
- زيارة أم توزعون طعام
- نوزع طعام للمحتاج.. هل هناك قانون يمنع هذا؟
نظر الرجل وقال
- أنت أحد الإرهابيين .. أليس كذلك .. ? تعال معنا
- أنا لم أحمل سلاحا في حياتي . وأنا أقدم معونة للسيدات المحتاجات واللواتي مات شبابهن وأقاربهن
- إذاً أنت تساعد هؤلاء الإرهابيين, وأنت فلسطيني وجئت إلي ارض لا يحق لك دخولها ? ...

#####

كان اياد لا يزال مشغولا باللعب عندما سمع ذلك الصوت الرهيب .. صوت مدفع رشاش ينطلق .. وبعض الرصاص يصيب جسم السيارة فيتجه المسكين بنظرة إلى ناحية الصوت .. ليجد أباه وأمه غارقين في الدماء فيصرخ في الم مرير

أبى ... أمي

وفي نفس الوقت كانت فيروز تغني

الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان

--------------------