عشاق الله

رسالة حب لمن يحب ومن لا يحب

  رسالة حب لمن يحب ومن لا يحب

صاد سين

يوم خلق الله سبحانه و تعالى الأرواح و تجلى عليهم بالحبّ و قال لهم إنّي أحبكم فأحبوني. ومن رأى الله في الحبّ فكأنما رآه في كلّ شيء و من رأى الله في كلّ شيء ولم يره في الحبّ فكأنما لم يره في شيء.

و الحبّ رسالة الله إلى العالمين فالتسبيح هو حبّ إلى الله سبحانه و تعالى ,

و قد قال في كتابه : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ

لمن يسجد النجم و الشجر ألا ترى أنّه يسجد بالحبّ و يعطي الثمر بالحبّ و لمن يسجد النجم؟

العاشق مترفع على كلّ شيء. الميزان هو التحاور بين المحبين فإذا لم يكن توازن في الحبّ فعالم لم يكن فيه حب لم يكن عالما. و قال الله في آية أخرى: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَاد

باسقات عالية و النّضيد حبّ واضح تحبّ الله و تعطي الثمر إلى خلق الله.

و كلمة الحبّ هي جوهرة القلوب جوهرة يتيمة عند من لا يعرف لها قيمة, فإذا سُجنت هذه الجوهرة داخل القلب و حبست فنحن ظلمنا الجوهرة, وإذا عرفنا ما في الجوهرة و رضينا بها و عَذُبَ اللّسان بالكلام الطيب الحلو و أصبح هذا العالم مملوء بالبساتين و الرّياحين, و كلمة الحبّ هي ثمرة الّتي أينعت في القلوب و النّفوس و الأرواح. و بكلمة الحبّ تنبتُ بساتين الحبّ.فإذا طفنا في بساتين القلوب وجدناها تحمل من كل زوج فاكهتين.
فيها زقزقة العصافير أي شكوى النّاس لبعضهم البعض و خرير المياه.
قال الله : وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ:أي جنّة الحبّ

ألا ترى أنّ الله أخرج آدم و أنساه نعيم الجنان و نسي في كلمة الحبّ الجنّة و نعيمها و نزل إلى الأرض بكلمة الحبّ حتّى تكون شجرة الحبّ هي شجرة الخُلد الّتي هي نابتة في جميع القلوب.
من كان قلبه موقٍ بحبّ الله فلا يخشى على نفسه من الخوض في الحبّ و كلام الحبّ أو كلام الغزل أو ما شابه ذلك.

ومن كان قلبه ضعيفا لم ير الله في حبه فلا يستطيع السباحة في ذلك البحر لأنّه يخشى الغرق. ألا يكفيك قوله : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قول رسول الله صلّى الله عليه و سلم :أحبّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك,

و هو الذّي أنزل السلوى, فما معنى السلوى:هي حبٌُ, أليس القرآن سلوى بين الله و عباده, أليس القرآن ترويض للنّفوس الحائرة فإذا اهتدت لكلمة الحبّ وجدتْ ضّالتها, و الأرواح مثل العصافير إذا اجتمعت مع بعضها البعض تفرح بالملاقاة و تمرح و تطير في السّماء الحبّ لأنّها فرحة أو سعيدة باللّقاء و إذا رأيت عصفورة أو عصفورا بمفرده يدلّ عليه أنّه كئيب حزين ليس له جماعة يزهو أو يمرح معها.
و فيما قيل : قلب من غير غرام جسم من الرّوح خالي
يا لائمي في الهوى معذرة منّي إليك و لو أنصفت لم تلُم


و نحن معشر المحبين حسناتكم أيها الأبرار عندنا سيّئات المقربين
أيها العاشق لا تخف في نفسك ما الله مبديه هل يوجد في العشاق من يكره أو من يحقد و الله عبّر عن الّذي لا يعشق كالحجارة أو أشدّ قسوة. ومن الحجارة ما يتشقق فيخرج منه الماء. وهذا الماء لا بدّ أن يسقي البساتين حتّى تُنعش الرّوح بجنان الحبّ.

إنّ الله يحبّ و جبريل يحبّ ورسول الله *ص* يحبّ. و كلمة الحبّ هي الموازين بين الخلق أو بين القلوب. ألا يكون الحب إلاّ لفاسق. فلماذا لا يكون في التقيّ الّذي يحبّ لا لشيء.

ومن أحبّ الله هان عليه كلّ شيء و من لم يحب الله لم يهن عليه شيء.
و كلمة الحبّ جمعت بين التُقى و الورع. ألا ترى أن الأشجار تنفض أوراقها فكأن الدموع تتناثر من عينيها لتشكوا في الحبّ إلى الله, فإذا شكت إلى الله زيّنها بدموع جديدة و ناداها و قال لها أحبّي لأنّي غرستك بالحبِّ و سقيتك بالحبّ.

فكلما افتقرت إليّ بدّلتك جمالا غير الجمال. فمن كان غارفا من بحر علم الله, ألا يكون غارفا من بحر حبّ الله, فالنظر في وجهه العزيز مستحيل في هذه الدنيا.
و إذا نطقت بالحُبّ و تكلمت بالحب فكأنّك تخاطب الرّوح الأعظم فيصبح فؤادك حبّا و كلّ ما فيك يحبّ. فلا تنظر إلا بمنظار الصّفاء و لا يكون فيك جفاء.
و الحبّ من الوفاء و من لم يكن له وفاء فقد جفا.

ونحن أهل الحبّ كتب اللّه علينا أن نرى حبيبنا و سيدنا و مولانا في الحبّ و الجمال المطلق و الجمال المتجلّي في الكائنات.

و من كان عاشقا كانتْ أخلاقه حسنة ومن لم يعشق تكون أخلاقه غير حسنة و الحبّ حسنة من حسنات الدّنيا و لباسهم فيها حرير : الحبّ هو الجنّة و الكلام فيه حرير و البغضُ و الحقد هي النّار.

يا شمس الدّنيا يا قمر السّماء إذا اكتملت يا نجمة الصّباح. إذا ظهرت يا وردة العالمين يا زهرة العشّاق و المحبين يا أنت يا كلمة الحبّ أصفى و أنقى من الفلّ و الياسمين. يا رحيق الأزهار يا عصير الثمار يا كاسات المدام و جنّة الحبّ على غير المحبّين حرام.

الحبّ برد و سلام على القلب المستهام و الحبّ قول و فعل و العاشق على ما صرّح في صدره لا يلام. فلا يلام العشّاق على عشقهم لأنّه أجمل ما في الوجود.
ما أحلاها من كلمة و ما أعذبها من كلمة و ما أصفاها من شربة ماءٍ نزلت من عليّين إلى قلوب المتيّمين.

و الحبّ سجود و ركوع و قيام خمرة تعصر في القلوب فيفوح عطرها على من حولها فكلُّ من جالس عاشقا أصبح عاشقا.

الحبّ ليس فيه حدّ إلاّ فيما حدّ الله. و من مات على حبّه و لم يتبعه بشيء مات شهيدا. فكيف لا نحبّ و كيف لا نعشق. أيّها القاسي فيما نخاطبك ناسي. فإذا فاض إحساسي بالحبّ و صرّحتُ به لا ملامة. هل يوجد غيره حتّى نحبّ غيره. نحن عباد الله نحبّ جمال الله فيما خلق الله. ومن رأى الحبّ فضيلة فهو أفضل و من رأى حبّه رذيلة فهو أرذل.

ألا ترى أن المسلمين يطوفون بالبيت و هو حجر؟ ألا يطوف أيّها العاشق بالحبّ قلبك , فلعلّك تطوف بالبيت مرّة في العمر و لكن حتّى في المنام يطوف بالحبّ قلبك.
و لو لا الحبّ ما سجد لله ساجد. فالله سبحانه و تعالى قيّد النّفس بالجمال و حبّبها في الجمال. ألا ترى أنّ الشعراء يقولون ما لا يفعلون.

نظروا للحبّ بنظرة الصّفاء لا بنظرة الفحش. لأنّهم قالوا و لم يفعلوا و لذا خلّدهم التّاريخ لأنّهم تغزّلوا بجمال الله و حبّ بساتين الله. ومن أحبّ و عشق لم ينظر لغير جمال الله.
لا حبّي في الدّيار و لكن لمن سكن الدّيار

يا طالب الوصال من سيد العلى

إنّ الوصال غالٍ و ما غلى حلا 

الحبّ شربنا ومن لم يكن فيه حبّ لم يشرب من شربنا