عشاق الله

مدينة الله

تأملات العم عبد العزيز

هل يحدث أن تفكر أحيانا في الموت؟ أعرف أن لا أحد يموت إلا إذا بإذن الله مصداقا للآية الكريمة من سورة آل عمران "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله" (القرآن 3: 145) لكن التفكير في الموت أصبح اليوم مع جائحة الكوفيد 19 أكثر إلحاحا.

ما يقلقني حقًا
هو ألم الموت

ما يقلقني حقًا هو ألم الموت. فأنا عادة لا أحسن تحمل الألم جيدًا، وفكرة ألم الموت يثير مخاوفي كثيرا. كما أنني كلما تقدمت في العمر ازداد تفكيري في آلام الموت. أكيد أننا جميعا حضرنا موت أقارب كبار في السن، حيث يكون الموت في بعض الأحيان هادئا، إلا أنه غالبًا ما يكون مؤلمًا جدًا. من منا يترقب موتا مؤلما؟

ولكن ماذا حين نموت؟ ماذا بعد الموت؟ نعلم أننا نبقى في قبورنا إلى يوم القيامة حيث موعد قيامنا جميعاً من قبورنا ووقوفنا أمام الله لكي يحاكمنا على ما فعلناه بحياتنا الدنيوية.

لكن قبل ذلك سيكون هناك يوم يعود فيه السيد المسيح، وسوف يكون ذلك اليوم هو اليوم الذي ستتم فيه عودة العدالة إلى الأرض وهزيمة المسيح الكذاب. ربما تكونون مثلي تنظرون حولكم وتتساءلون عما إذا كان بيننا اليوم مسيح كذاب! كما أننا نعرف أن فترة عودة المسيح الحقيقي ستكون فترة مجيدة جدا... ولهذا السبب نحتفل في هذا العدد الجديد من عشاق الله بموسم المجد.

سيكون ذلك اليوم بداية سماء جديدة وأرض جديدة. فمنذ زمن طويل خلق الله هذه الأرض وأنشأ الجنس البشري وسط جنة غنّاء. لقد كانت الأرض كلها عبارة عن حديقة غناء أفسدناها للأسف ولا زال إفسادنا فيها مستمرا. ولقد كشف الله في وحيه للحواري يوحنا عن شكل هذه السماء الجديدة والأرض الجديدة. إلا أن الشيء الغريب هذه المرة أنها لن تكون عبارة عن جنة بل مدينة!

فكرتنا عن المدن من خلال التجربة البشرية هي أنها أماكن قذرة، كريهة الرائحة، ممتلئة بالضوضاء: عكس فكرتنا عن الجنة تماما، حيث لا وجود لمرض أو ألم أو حزن! 

لكن لماذا حين يتحدث الله في كتاب الرؤيا للحواري يوحنا عن الجنة إنما يتحدث عن مدينة؟ الجواب هو أنه تعالى يفكر في مسألة الصلة والعلاقات لا في الممتلكات والمقتنيات، مع أنه تعالى سوف يوفر لنا بكثرة هناك كل ما نحتاجه. إنه تعالى يحاول إخبارنا أن فكرة الجنة تتعلق أكثر بكيفية ارتباطنا ببعضنا البعض وارتباطنا معه، أكثر من مسألة المكتسبات والمقتنيات من ذهب أو مجوهرات وأكثر من مسألة الملذات. 

لذلك عندما نفكر اليوم في موسم المجد لنتذكر أن جوهر كل شيء هو الصلة. الصلة بين الله والإنسان، وبين الإنسان والإنسان. وإذا كانت الصلات مع بعضنا البعض ومعه تعالى انقطعت، فلنشف هذا الانقطاع خلال موسم المجد هذا، ونمنح المجد لله.