عشاق الله

معنى مجد الله

نادر عبد الأمير

تعني كلمة "خابود" أي "مجد" في العبرية الجلال والفخامة والعظمة والصيت الحسن. وقد خلق الله الإنسان على صورته لا ليستمتع ببركات الحياة التي وهبها له واستخلفه عليها، بل ليمجده ويعلن مجده في الأرض، أي يعكس صورته وطبيعته. ونجد هذا المبدأ في كامل الكتاب المقدس، حيث يكون تمجيد الله بواسطة التعرف عليه وتقاسم تلك المعرفة مع آخرين، وهذا هو معنى وعمق تمجيد الله.

 

يعبر النبي إشعياء بإيجاز بليغ عن غاية الله من الخلق قائلا: "اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِاسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ" (إشعياء 7:43).  ويعبّر الكتاب المقدس كثيرا عن مجد الله كحضور قوي محاط بنور ساطع مبهر، أو نار تتلظى "وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ الرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بني إسْرَائِيل" (خروج 17:24). وأحيانا على شكل ملائكة وبرق ورعد ودخان وضباب وسحاب يعلو من خلالها صوت الله مثيرا الخوف والرهبة. كما نرى إشراق مجد الله في العهد الجديد ليلا على جمع من الرعاة (لوقا 9:2).ثم ما أجمل مشهد التجلي حين تتغير هيئة سيدنا عيسى ويشرق وجهه مثل الشمس ! (متى 2:17). 

 

أول إعلان عن وجود الله ومجده جاء من الطبيعة  أي من عناصر الكون، الكواكب والنجوم والمجرات وكل ما يهب ويدب في الأرض والسماء. كلها تدل بالملموس على الخالق وتقود إليه "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مزمور 1:19). كل تلك العناصر والمخلوقات تسير وفق نواميس الله وتخضع له تعالى محققة الهدف من وجودها الذي هو إعلان صفات الله ومجده. لكن للأسف كان الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي خرج عن هذا النظام وفشل في تحقيق الهدف من خلقه عندما سقط في الخطيئة. "لأنّ كُلَّ النّاسِ يُخطِئونَ ولا يَبلُغونَ المَقامَ المَجيدَ الّذي أرادَهُ اللهُ لهُم." (الرسالة إلى روما 23:3). إلا أن الله تعالى رسم للإنسان خطا وطريقا لعودته إلى حظيرة الطاعة وأتاح له فرصة ثانية ليعلن مجد الله كما تعبر عن ذلك رسالة السيد المسيح في جوهرها. 

 

أما أقوى تعبير عن مجد الله فهو مجيء سيدنا عيسى المسيح الذي عاش حياته على الأرض كاملاً معصوما دونما ذرة خطيئة حيث نقرأ في كتاب الوحي الذي سجله الحواري يوحنا14:1"واستحالَ الكَلِمةُ إلى كائنٍ بَشَريٍّ، وجاءَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) مُبَشِّرًا بقُدومِ هذا الرَّسولِ، ونحنُ جَميعًا نِلنَا البَرَكاتِ مِن فَيضِ فَضلِهِ". ثم كان صلب سينا عيسى المسيح وموته قمة تمجيد الله حسب تعبير المسيح نفسه قبل تسليمه حين قال: "حانَ الوَقتُ الّذي فيهِ يُرفَعُ شأنُ سَيِّدِ البَشَرِ" (كتاب الوحي الذي سجله الحواري يوحنا 23:12). وفي نفس الكتاب (17: 3-4) كلم سيدنا عيسى الله قائلا: "ها أنا قد أكمَلتُ العَمَلَ الّذي أوكَلتَهُ إليَّ، وبذلِكَ رَفَعتُ ذِكرَكَ على هذِهِ الأرضِ وبَينَ البَشَرِ، فامنَحني الآنَ يا اللهُ، أيُّها الأبُ الرَّحيمُ، تِلكَ الهَيبَةَ الّتي كانَت لي عِندَكَ قَبلَ خَلقِ العالَمينَ". وعندما طلب منه فيلبس أن يرى الله كان جواب سيدنا عيسى المسيح غاية في الروعة والبلاغة "حقًّا إنَّ مَن رآني رأى تَجَلِّي اللهِ الأبِ الرَّحمنِ في بَشَرٍ، فكَيفَ تَطلُبُ أن تَرى اللهَ؟" (كتاب الوحي الذي سجله الحواري يوحنا14: 8-9) أي أن سيدنا عيسى المسيح قد أظهر لنا جليًا وبالملموس ماهية طبيعة الله ومجده من خلال حياته وأعماله وموته وقيامته له المجد.