عشاق الله

رسالة إلى الكاتب والصحافي الشاب مصطفى فتحي

 

إذا أحببت اليوم أن أتكلم عن الواقع المفجع للفكر الشبابي الطليعي في الوطن العربي

إذا أحببت أن أتلمس فوهة الجرح الدامي الذي يعاني منه الشباب العربي التواق للحرية الحق والغد الأفضل المختلف

إذا أحببت أن أضرب مثلا للاغتيال اليومي للجرأة والشجاعة الفكرية التي تكاد تكون مفتقدة بين ظهرانينا

وأيضا الاغتيال المننهج للاختلاف

واغتيال الصدق

والمحبة

والأمل

فلن أجد مثالا أبلغ من المضايقات وسوء النية والفهم التي يتعرض لها هذه الأيام الكاتب والصحافي المصري الشاب مصطفى فتحي، لا لشيء إلا أنه فتح النار على النفاق الاجتماعي والثقافي المزمن والمشرش بيننا، وتناول في كتابه الأخير موضوعا يعتبر من أخطر الطابوهات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ألا وهو موضوع الشذوذ الجنسي. تناول الظاهرة لا يعني الترويج لها بقدر ما يعني مواجهتها، وفتح الباب لمواجهة ظواهر أخرى مسكوت عنها بالشجاعة والصدف اللازمين.

الكاتب والصحافي الشاب مصطفى فتحي يمثل عينة رائعة من الشباب العربي الواعد المتميز يقلقه الوجودي والفكري، ورفضه مهادنة الزيف والنفاق، وحبه طرح الأسئلة وازدراء الجاهز البائت من الأجوبة. لكن للأسف يتفنن القوامون على الفكر والثقافة وأذنابهم في المنابر والشارع والمنتديات في ابتكار أساليب تسفيه ومضايقة وقمع هذه العينة من الشباب الواعد الذي يمثل أمل الأمة الحقيقي.

أدمت قلبي كلمة مصطفى فتحي المنشورة على صفحته في الفيسبوك حيث كتب:

"بالأمس كنت حزينا.. يظل عقلي مشغولاً بالأفكار طوال الليل.. أعلم أن الظلم موجود حولنا في كل مكان.. لكن الأصعب من هذه الحقيقة هو أن تشعر أنك تتعرض لظلم بدون سبب
مؤخراً أبحث عن نفسي فلا أجدني
افتقدت أشياء كثيرة منها أحمد.. أعز أصدقائي الذي سافر للعمل في الإمارات وانقطعت أخباره عني الا من بعض رسائل الموبايل التي تفشل دائماً في أن تنقل له مشاعري وافتقادي له.. عندما أتذكره أبكي.. وأجد نفسي أحتاجه وبشدة

بالأمس كنت حزيناً
خرجت من مقر عملي -ولأول مرة في حياتي منذ أن التحقت بهذا المكان- مهموماً وداخلي شعور غريب بأنني تعرضت لظلم
أمر مؤسف أن يقابلك حارس العمارة التي تسكن بها ويقول لك "معلش يا استاذ مصطفى عايز أسألك سؤال هو انت فعلاً شتمت الرسول زي ما الناس بتقول".. وتجد نفسك تجيبه دون أن تجيبه: أنا مشتمتش الرسول انا كنت بتناقش معاه بس

حين أخبرني شخصاً ما لا أعرفه أنه يحبني لدرجة الجنون وأنه يتمنى أن يصبح صديقاً لي.. فتجد نفسك تجيبه وأنت مهموم: لما ألاقي نفسي الأول هرحب جداً بصداقتك

بالأمس كنت مهموماً
حين انظر لابني عيسى وهو يضحك ومطلوب مني أن أضحك له وألاعبه وألا أظهر أبداً أمامه مهموماً أو حزيناً

حين توقظني زوجتي في الثالثة بعد منتصف الليل وتقول لي: انت بتقرا قرآن وانت نايم

بالأمس كنت حزيناً ومهموماً وداخلي مليون فكرة تدعوني لأن أبكي

وأن يتوقف صوت بندول الساعة وأن أعود مجدداً للحياة

وأن أهرب بعيداً عن كل هذه الوجوه الخالية من اي مشاعر حقيقية أو فهم لمعنى الانسانية والحب والخير والجمال"

أخي مصطفى أشد على يدك، وأقول لك تشجع، امض قدما، أنت رمز للقافلة فلا يهمنك النباح. دع روح المحبة فيك تتغلب على جبل الكراهية وتحيله شظايا. ثم إني لا أجد أفضل من هذه الآيات من القرآن والإنجيل لتشجيعك:

"وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ." (سورة النحل آية 127)

"نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 3:5-5

نادر عبد الأمير