عشاق الله

اللغة و الحقيقة

 

اللغة و الحقيقة

تأخذني الدهشة و أنا أرى  الكثير من الإخوة المسيحيين يزدرون الإسلام و يسقطون على المسلمين صور الآخر الشرير، حيث   تكفي نظرة على بعض الكتابات و النشرات المسيحية للتأكد من ذلك. فقد اطلعت على بعض الطروحات المسيحية  التي تعتبر الله الذي يعبده المسلمون مختلفا تماما عن إله اليهود و المسيحيين. و هي دعوة بدأت تنتشر باطراد وسط مجموعات كثيرة من الشباب. في نفس الآن يتفنن الجانب الآخر الذي هو جانب المسلمين في إبطال عقيدة المسيحيين، معتبرا إياهم كفرة مشركين، معلقا عليهم أسباب كل الويلات التي أصابت أرض الإسلام. عنف و عنف مضاد. تنابز بالشر و الشرك و الكفر. و لا أحد مستعد للإنصات بمحبة للآخر. الكل غارق في مونولوغه الداخلي.

فهل الله راض على وضع مثل هذا؟ طبعا لا. و السبب ببساطة هو ضآلة صورة الله لدى كل فريق. كل يضع له صورة على مقاسه و يصيح بالآخرين: هذا هو الإله الحق. هل خطرت لدى الفريقين فكرة أن الله أكبر من الإسلام و المسيحية؟ أكبر من كل الكتب و الطروحات و النظريات التي يتفنن في إبداعها كل فريق على حدة. أكبر من اللغة القاصرة التي يستخدمها كل فريق. فقد قرأت بالمناسبة  دراسة جميلة لأحد الباحثين يطرح فيها مسألة اللغة الدينية و الحقيقة الدينية و الفرق بينهما، حيث يقول أن اللغة الدينية نسبية – وبما هي نسبية، هي عاجزة بإزاء الحقيقة التي تعبِّر عنها، أو تحاول أن تعبِّر عنها – يسقط كلُّ ادِّعاء تدَّعيه أية ديانة باحتكار الحقيقة الكلِّية لنفسها – أو أنها هي الحقيقة الدينية نفسها – لما ينطوي عليه هذا الادِّعاء من معنى يُكسِب النسبي صفة الإطلاق، ويجعل المحدود لا حدَّ له، والتاريخي لاتاريخيًّا. الحقيقة الدينية بعبارة أخرى حقيقة مطلقة، بينما اللغة المعبرة عن هذه الحقيقة لغة نسبية، و الخطأ عندما تتماهى لدى البعض اللغة الدينية مع الحقيقة الدينية، فيتمسك كل بلغته معتبرا إياها الحقيقة المطلقة.

هل فكر المسلم يوما في فهم لغة المسيحي؟ ما أعنيه باللغة ليس المفردات فقط بل النسق اللغوي الفكري الذي تتأسس عليه كل التصورات الدينية. و أيضا هل فكر المسيحي يوما في فهم لغة المسلم؟ طبعا لا اعني الفهم الاستشراقي أو الاستغرابي للآخر و المنبني على إقصاء الآخر. بل أعني الذهاب نحو لغة الآخر لاكتشاف الثراء الروحي الذي تختزنه تلك اللغة، و ما تضيفه لتصور كل جانب عن ذات الله كحقيقة مطلقة.

ماهو الثراء الروحي الذي أستفيده كمسيحي من أسماء الله الحسنى و من آيات التسبيح في القرآن، و كل الإشارات القوية إلى وحدانية الله و قداسته؟ و ماذا أستفيده من ثراء روحي كمسلم من مفهوم الآب و الابن و الروح القدس لدى المسيحيين، و تصورهم المختلف للوحدانية؟ هذا هو التحدي الذي ينبغي على كل فريق رفعه.

فهل نحن مستعدون لذلك، أم ليس بعد؟.

نادر عبد الأمير